الأحد، 2 يناير 2011

سورة العصر للمتوسط والثانوي

{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)}

لماذا القسم بالعصر؟
هل للوقت أهمية لدى المؤمن؟
ماهو حال خير البرية محمد عليه الصلاة والسلام مع الوقت؟ وكذا الصحابة الكرام؟وماهو حال السلف والخلف أيضا"؟
هل هناك علاقة بين الوقت والعبادات؟وكيف يكون ذلك؟
لماذا مأل الإنسان إلى خسران؟ومن هو ذلك الإنسان؟ولماذا يغلب عليه حالة الخسران؟
من هم الناجين من الخسران في الدنيا والآخرة؟وماصفاتهم؟
ما صفة أعمال الناجين من الخسران؟

التفسير المجمل للسورة:
أقسم الله تعالى بـ :{ وَالْعَصْرِ (1)}وهو الدهر لانطوائه على تعاجيب الأمور ولأنه يذكر بما فيه من النعم وأضدادها فينبه الإنسان على أنه مستعد للخسران والسعادة ويدخل في العصر الليل والنهار وعمر الإنسان.
والمقسم عليه هو قوله تعالى :{ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2)}وهو حقيقة هامة مخيفة:إن جنس الإنسان الغالب على حاله الخسران,فهو في تجارة رأس ماله فيها عمره,والغالب أنه يضيعه فيما يضره ولاينفعه,لذا تجد أكثر الناس هالكين بسبب انشغالهم بحب الدنيا واستغراقهم في طلبها,يصرفون أعمارهم في مباغيهم التي لاينتفعون بها,فهم مشغولون بالفاني عن الباقي ولهذا حق عليهم الخسار وأحاط بهم.

ولا يسلم من هذا الحكم العام على جنس الإنسان إلاالقليل وهم :{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} بجوارحهم وفق سنة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر, وهذا من أعمالهم الصالحة ,وهو أن يوصي بعضهم بعضاً بالتمسك بالدين الحق الذي هو الإسلام وبدعوة الناس إليه,فهم جماعة متعاونون متعاضدون على ذلك ويوصي  بعضهم بعضاً بالثبات على ذلك والصبر على الطاعة وعلى القيام بأمر الله والدعوة إلى دينه وتحمل الأذى في سبيله ظاهراً وباطناً بما يقدره الله سبحانه وتعالى عليهم.
فأهل النجاة من الدمار والسلامة من الخسار إنما ظفروا بالفوز والفلاح وربحوا في تجارتهم بتحقيقهم ذلك على مرتبتين:
تكميلهم لأنفسهم بالإيمان والعمل الصالح.
تكميلهم لغيرهم بالدعوة إلى الإسلام والثبات والصبر عليه.
          
فوائد ووقفات من السورة:
فهذه السورة على اختصارها هي من أجمع سور القرآن للخير بحذافيره والحمد لله الذي جعل كتابه كافياً عن كل ما سواه شافياً من كل داء هادياً إلى كل خير.
رحم الله الإمام الشافعي وأئمة السلف قبله وبعده ..ما أعظم  فقههم لواقعهم وفهمهم لكتابهم ، وأغرز علمهم بدينهم ..فالسورة التي يعنيها هذا الإمام ..هي سورة العصر,ذات الآيات الثلاث يتمثل فيها منج كامل للحياة البشرية كما يريدها الإسلام فهي تبرز معالم التصور الإيماني بحقيقته الكبيرة والشاملة في أوضح صورة وأدقها ,إنها تضع الدستور الإسلامي كله في كلمات قصار وتصف  الأمة الإسلامية حقيقتها  ووظيفتها في آية واحدة هي الآية الثالثة من السورة, وهذا الإعجاز لايقدر عليه إلا الله وحده.
إنه على امتداد الزمان في جميع الأعصار وامتداد الإنسان في جميع الأدهار ليس هناك إلا منهج واحد رابح وطريق واحد ناج ,هو ذلك المنهج الذي ترسم السورة حدوده وتصف معالمه وكل ما وراء ذلك ضياع وخسار .
ذكر العصر الذي بمضيه ينتقص عمرك ,فإذا لم يكن في مقابلته كسب صار ذلك النقص هو عين الخسران ولذلك قال تعالى:{ لَفِي خُسْرٍ}  ومنه قول القائل:
إنا لنفرح بالأيام نقطعها               وكل يوم مضى نقص من الأجل
عن الحسن البصري رضي الله عنه قال: (ابن آدم إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك)، وعنه أيضاً قال: (أدركت أقواماً  كان أحدهم أشح على عمره منه على درهمه).
عن قيمة الوقت وتفاوت أهل اليقظة فيه يقول الامام السعدي -رحمه الله- :" سبحان من فاوت بين أهل اليقظة في قوة السير وضعفة، وفي استغراق جميع الاوقات في العبادة وعدمه، منهم من يكون سيرة مستقيما في ليله ونهاره  ومع ذلك يتخير من الاعمال أفضلها وأكملها، ولا ينزل من فاضلها إلى مفضولها إلا لمصلحة تقترن بالمفضول توجب أن يساوي العمل الفاضل ويزيد عليه..."
يتوجب عليكِ أن تكون غيورة على وقتك غيرة مطلقة، ويجب عليك ان تكون غير متساهلة على الإطلاق بشأن إنفاق وقتكِ في نشاطات قليلة القيمة...
من ثمرات العمل الصالح :
البركة في العمر والرزق على مستوى الفرد والمجتمع.
الامن من الخوف والجوع والكوارث.
تفريج الكربات وتيسير الامور.
الأنس بالله عز وجل يورث السعادة والطمأنينة في جميع الاحوال، سرائها وضرائها.
التمكين للذين يعملون الصالحات في الارض ونصر الله عز وجل لهم.
نور الوجهه وبهاؤه.
قوة القلب وشجاعته وثباته واستنارة العقل وصفاؤه.
عزة النفس وعلو الهمة.
استقباح المعاصي والنفور منها.
العمل الصالح يرفع والكلم الطيب.
محبة الله عز وجل لمن يتقرب إلية بالعمل الصالح، وإلقاء القبول والمحبة والهيبة له بين الناس.
حسن الخاتمة وتنزل ملائكة الرحمة عند الموت.
مرافقة الأنبياء والشهداء والصالحين يوم القيامة.
الأمن من الفزع يوم القيامة والنجاة من النار والفوز برضوان الله تعالى وجنته.

ذكر التواصى في هذه السورة بصيغة الجمع { وتواصوا } يدل على أهمية الاجتماع في امور الدعوة الى الله عزو جل والامر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولزوم الحق علماً وعملاً ودعوةً وتعليماً من الامور الشاقة التي تحتاج الى التواصي والتعاون لما يعترض طريق الحق من العقبات والتحديات.
من صور التواصي بالحق أن يعرف الحق ويعمل به، ويعلمه من لا يحسنه ويصبر على تعلمه والعمل به وتعليمه، وقبول الحق والاذعان له وعدم التعصب للنفس والرأي، والمناصحة بين المسلمين خاصة أهل العلم والدعوة والصلاح.
التواصي بالصبر على المقدور كالمصائب والصبر على المشروع بفعل الاوامر وترك النواهي.
إذا لم يكن مع التواصي بالصبر تواصيا بالحق فإن الصبر بمفرده لا ينفع، وليكن صبرك هو صبر الكرام لا صبراللئام.
حتى يكون صبرك مرضياً لله تعالى يجب أن يكون لإبتغاء وجه الله تعالى، واحتساب الأجر منه وحده وأن يكون على أمر يحبه الله ويرضاه، وأن يستعين بالله وحده على الصبر.
يجب أن يكون صبرك:
صبر بالله: الاستعانة به وصبر العبد بربه لا بنفسه.
وصبر لله: البعاث على ذلك محبة الله والتقرب إليه لا إظهار قوة النفس.
وصبر مع الله: دوران العبد مع مراد الله الديني منه، ومع أحكامه الدينية صابراً نفسه معها.
تذكري حديث الرسول صلى الله عليه وسلم إذا داهمتك الخطوب، وحلقت عليك النوازل:    "صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة".
 كل عمل يعرف ثوابه إلا الصبر قال تعالى ( إنما يوف الصابرون أجرهم بغير حساب )
التواصي بالصبر لا يكون لأهل المصائب فقط وإنما أهل النعم والغنى، وأهل الخير هم أحوج من غيرهم إلى الوصية بالصبر وشكر النعم.
ترسم هذه السورة الكريمة أصول محاسبة النفس  ومراقبتها، وذلك بعرض العبد نفسه على هذه السورة ومدى قربه وبعده من صفات أهل النجاة المذكورة فيها.

    إن من عظم هذه السورة عند الصحابة رضي الله عنهم أنهم  كان الرجلان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا التقيا لم يفترقا حتى يقرأ أحدهما على الآخر هذه السورة, فكأنهما يتعاهدان على الإيمان والعمل الصالح ويتعاهدان على التواصي بالحق   والصبر.

ووقفة أخيرة مع هذه السورة وهي أن التمكين والنصر لدين الله تعالى عز وجل يتطلب أن ينطلق أصحاب الدعوة من الثوابت والأصول والسنن الربانية التي بينها الله تعالى في كتابه وجعلها أصولا للتغيير والنصر والتمكين.

الربط بالواقع:

أهمية معالجة تفريط الفتيات في الوقت وتوضيح أهميته وأن عليه مدار العمل الصالح وأنها مسئولة عنه يوم القيامة, وأنه يجب أن تكون فتاة منتجة معطائه في جميع أوقاتها لا عاطلة ومعطلة لمن حولها لاتنفع بشيء ,بل يجب أن تأخذ بزمام المبادرة مع نفسها أولاً ثم مع من حولها "فالمجتمع ماهو إلا مجموعة من الأفراد ,فإذا صلح الفرد صلح المجتمع بإذن الله تعالى ,ونحن نتطلع بشدة وشغف لرقي أمتنا الإسلامية إلى ما كانت عليه من المجد والعزة....ونسعى لذلك "
زرع روح الفريق الواحد أو الجماعة المترابطة أو الوحدة الإسلامية التي تطغى على كل الفروق والاختلافات لدى الفتيات, بحيث نجعلهن يتمنين الخير لأخواتهن ويحبونه لهن كما يحبونه لأنفسهن ,ويسعون بالنصح السديد لأخواتهن ويصبرن على ما يلاقينه من الأذى, ويزرعن الصبر والتصبر في قلوب أخواتهن.
تنمية وإحياء الجانب التعبدي لدى الفتيات وجعلهن متمسكات به لايفرطن فيه فعليه مدار نجاتهن يوم القيامة.
لا تلدغك  عقارب الزمن ...فتبقي مخدرة تهدرين الساعات وتضيع الأوقات وتتلحفين السراب !!العمر محدود والشهور تمضي والسنوات تركض...اعقدي العزم واتخذي القرار...كوني كيسةً فطنة واستعيني بالله وتوكلي عليه....اختصري المسافات ..وسابقي الزمن.
الفرص الثمينة تحيط بك والإمكانيات أعظم ما تكون في هذا العصر(ياليت شعري لو أن ابن عقيل عاش في عصرنا ولو أن ابن القيم استفاد من خوارق التقنية ماذا تراهم سيفعلون؟!هي الهمة لاغيرها.
شاب يافع فتلت عضلاته وقوي جسمه وكبرت آماله تحدث مع نفسه متمنيا سأشرع في التغيير بعد الخامسة والثلاثين! وهناك في الضفة الثانية كان الشيخ الكبير يبكي دموعا حرى وزفرات محرقة يقول بعد ما هدته الأيام واحدزودب ظهره وتهدل حاجبه ولانت عظامه يا ليتني بادرت بالتغيير وأنا صغير، المفارقة المضحكة أن هذا الشيخ الكبير وذلك الشاب اليافع كانا شخصا واحدا !.

يحكى أن زوجاً غضب على زوجته: فقال لها متوعدا: لأشقينك.
قالت الزوجة في هدوء: لا تستطيع أن تشقيني، كما لا تملك أن تسعدني، فقال الزوج: وكيف لا أستطيع؟ فقالت الزوجة: لو كانت السعادة في مال لقطعته عني،  أو زينة من الحلي والحلل لحرمتني منها، ولكنها في شيئ لا تملكه أنت ولا الناس أجمعون! فقال الزوج في دهشة: وما هو؟ قالت الزوجة في يقين: إني أجد سعادتي في إيماني، وإيماني في قلبي، وقلبي لا سلطان لأحد عليه غير ربي.
             
المراجع:
 عظمة القرآن.د/ سليمان الصغير
افتح النافذة ثمة ضوء.د/ خالد المنيف
موعد مع الحياة.د/خالد المنيف.
وقفات تربوية في ضوء سورة العصر.الشيخ عبد العزيز بن ناصر الجليل حفظه الله.
في ظلال القرآن.سيد قطب رحمه الله.
مفتاح دار السعادة.للامام ابن القيم رحمه الله.
تفسير سورة العصر.د/عبد العزيز قارئ

 مها الفريان
المستوى الثالث 
معهد معلمات القرآن بغرب الرياض

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يهمنا