الأحد، 1 فبراير 2015

تدبر سورة الحجر

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة الحـــــجْـــر
تمهيــــد:
  بسم الله الرحمن الرحيم ,الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات..
سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم, اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً..
هناك سورة ارتبط نزولها بآية عظيمة فيها!!! أحدثت فرقاً في حياة الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم وفي حياة أصحابه رضي الله عنهم.
فكان صلوات الله عليه وسلامه يلاحقه الأذى والاستهزاء أينما رحل.كأن الأمر يحجر عليه ويضيق ..فاستمر يستخفي في دعوة الناس لمدة ثلاث سنوات ..حتى نزلت عليه هذه الآية وهي سبب لدعوته الجهريه !! فأصيب النبي صلى الله عليه وسلم بعدها بألم نفسي اشتد عليه فحفظه الله سبحانه وتعالى وأرشده للعلاج بعدها  ؟؟
ترى ما  السورة و ما هذه الآية ؟؟  وما وجه مناسبتها لاسم السورة؟
هذه السورة  هي سورة الحجر.. والآية هي قوله تعالى( فا صدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)..
فصدع  النبي صلى الله عليه وسلم بالدعوة فاشتد الأذى عليه وضاق صدره لكن الله حفظه بقوله (إنا كفيناك المستهزئين)و أرشده الله إلى علاج وهو التسبيح والتحميد والسجود والاستمرار بالعبادة..
ووجه مناسبتها :
الحجر: المكان المحجور، أي الممنوع من الناس بسبب اختصاص بعضهم به.[1]
الحجر هو بمعنى المنع لما يحصل فيه.[2]
فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يحجر عليه ويمنع من الدعوة فأمره الله تعالى بالصدع والجهر بالدعوة والإستمرار فيها..
فجاءت هذه السورة كأنها رسالة قرآنية من الله ليطمئن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم  والمسلمين بأن الدين محفوظ  من الله تعالى, وما على الرسول صلى الله عليه وسلم و المسلمين إلا الاستمرار بالدعوة والتركيز عليها ..

والحجر اشتق من الحجارة, فقوم صالح عليه السلام كانوا ينحتون بيوتهم من الجبال الحجرية لقوله تعالى ( وكانوا ينحتون الجبال بيوتا آمنين)[3]  فقد أراد قوم صالح أن يحفظوا أرواحهم من الزلازل والصواعق بهذا البنيان والنحت من الجبال بيوتا آمنين. لكن حفظ الله تعالى هو الذي لا يمكن أن يضعف أو ينفلت, فأخذتهم الصيحة فما نفعهم هذا البنيان القوي.
 فقال ( ما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون)
وفي هذا دلالة على أن الله تعالى هو الحافظ ولا يتم الحفظ او الحجر بالوسائل المادية
 وهذا حجر ثمود أكبر دليل على ذلك.
 ولقد سميت السورة بسورة الحفظ لأن كل آياتها تؤكد أن الله تعالى يحفظ كل شيء، ولذا جاءت فيها (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) خاصة دون غيرها من سور القرآن..
ومما يتميز به هذا الاسم أنه لم يذكر في القرآن  بكونه بلداً إلا في هذه السورة وبهذا الموضع,.(ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين).[4]

موضوع السورة:
 حفظ الله لدينه.[5]  وإبراز المصير المخوف الذي ينتظر الكافرين المكذبين..[6]

المرحلة الزمنية التي نزلت فيها سورة الحجر:
هذه السورة مكية , ونزلت بعد سورة يوسف وقبل سورة الأنعام. ونزلَت في فترة شديدة ومرحلة صعبة في تاريخ الدعوة الإسلامية,حيث نزَلَت ما بين العام الذي تُوفي فيه أبو طالب عم الرسول الله  صلى الله عليه وسلم  وزوجته أم المؤمنين خديجة  رضي الله عنها..
ذلك أن الدعوة إلى الإسلام أُصيبت في تلك المرحلة وذلك الوقت بالأذى الشّديد من مشرِكي مكَّة، سواء للرسول الكريم أو أصحابه  رضي الله عنهم جميعًا.

فقد كانت بالفعل فترة صعبة في تاريخ الدعوة، حتى إنه لم يدخل الإسلامَ في تلك الفترة إلا عدد لا يذكر من الناس، وكأنما أُصيبت الدعوة بالتوقف، ويرجع ذلك إلى المحاربة الشديدة من أهل مكة للإسلام متمثلا في الرسول والفئة القليلة الضعيفة المؤمنة معه، ومن صور هذه المحاربة، النيل من الرسول  صلَّى الله عليه وسلَّم  أشد النيل ومن أصحابه، وكذلك لم يقبل المدعوون دعوة النبي  صلَّى الله عليه وسلَّم  بل أهانوا الرسول أشد الإهانة والاستهزاء به وبدعوته؛ لذلك جاء القرآن الحكيم في هذه المرحلة - وخاصة هذه السورة - لتهديد المشركين وإنذارهم، فيعرض عليهم صنيعه وشديد بأسه بالمكذبين قبلهم، وكيف أن عاقبة أمرهم خسر..

ويبين لنبيِه الكريم  صلَى الله عليه وسلم  سبب تكذيب المشركين له، وأن هذا التكذيب لا يتعلَّق بالرسول ولا بالإسلام الحقِ الذي جاء وأرسل به، وإنما يتعلَّق باستِكبارهم وعتوِهم وعنادهم عن قبول الحق والإذعان له، وأن هؤلاء لا ينفع معهم نزول الآيات، ولأجل ذلك يُسري ويسلي النبِي - صلى الله عليه وسلم - ويرشده إلى التمسك بالحق الذي معه، والذي جاء به، والوقوف بِصلابة أمام المشركين لتبليغه، وليس ذلك وحسب، بل الصبر على الأذى الذي سيلحق به جراء السَير في هذا الطريق الصعب العسير، وأن له القدوة والأُسوة في الأنبياء الذين سبقوه.[7].



المناسبات في السورة:
·       المناسبة بين اسم السورة ومحورها:
اسم السورة يشير إلى ذكر أصحاب الحجر الذين كذبوا المرسلين بتكذيبهم لصالح عليه السلام وكيف كانت عاقبتهم,وهذا يدور حول محور السورة الذي يدور حول إبراز مصير الكافرين المخوف الذي ينتظرهم..
وأصحاب الحجر نموذج لقوم أهلكهم الله تعالى لأنهم كانوا ينحتون الجبال بيوتاً آمنين ليختبئوا من الصواعق والزلازل بظنهم أنه مكان آمن يحفظهم ..
·      المناسبة بين افتتاحية السورة وخاتمتها:
في بداية السورة  ونهايتها تحدثت عن  كيفية التعامل مع الكافرين ففي بدايتها قال(ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) وفي نهايتها قال
(فاصفح الصفح الجميل).
كما اشتركت البداية والنهاية بالحديث عن القران الكريم ففي بدايتها تحدثت عن حفظ الله للقران فقال تعالى(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وفي النهاية قال(ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم ).[8]


·      المناسبة بين افتتاحية السورة وخاتمة ما قبلها:
إن الله  تعالى لما ذكر في نهاية سورة إبراهيم وصف يوم القيامة (وبرزوا لله الواحد القهار، وترى المجرمين يومئذ مقرنين في الأصفاد، سرابيلهم من قطران وتغشى وجوههم النار)  قال في بداية سورة الحجر (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) فأخبر أن المجرمين المذكورين إذا طال مكثهم في النار، ورأوا عصاة المؤمنين الموحدين قد أخرجوا منها تمنوا أن لو كانوا في الدنيا مسلمين.[9]


الملامح البارزة في سورة الحجر:

1/ بدأت بالتحدي بإعجاز القرآن الكريم, والتنبه على فضل القرآن.
2/  وإنذار المشركين بندم يندمونه على عدم إسلامهم لرب العالمين.
3/ إبراز طبيعة المكذبين بهذا الدين,وإظهار الدوافع الأصيلة للتكذيب.
4/  تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم على عدم إيمان من لم يؤمنوا,وأن تلك عادة المكذبين مع رسلهم , وأنهم لا تجدي فيهم الآيات والنذر,وأن الله حافظ كتابه من كيدهم, وإقامة الحجة عليهم بعظيم صنع الله, وما فيه من نعمه عليهم,وذكر البعث ودلائل إمكانه.
5/  الحديث عن خلق الإنسان وما شرف الله به من خصائص ومميزات لا تتوافر لغيره من المخلوقات.
6/ قصة البشرية  وعداوة الشيطان لها, وأن أصل الضلال والكفر الإعجاب بالرأي, وتقديمه على الأمر الرباني الذي لا ريب فيه , وعدم الخضوع لأمره تعالى.
7/ ثم ذكر قصة إبراهيم ولوط عليهما السلام وأصحاب الأيكة وأصحاب الحجر,وكيف أن الله أهلكهم بشركهم وكفرهم.
8/ وختمت بتثبيت الرسول صلى الله عليه وسلم وانتظار ساعة النصر، وأن يصفح عن الذين يؤذونه، ويكل أمرهم إلى الله، ويشتغل بالمؤمنين، وأن الله كافيه أعداءه.
مع ما تخلل ذلك من وصف أحوال المتقين، والترغيب في المغفرة، والترهيب من العذاب.


·       الحفظ واضح من أول السورة إلى آخرها:
_  حفظ الله للقرآن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

_ حفظ الله للسموات والأرض (ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين
وحفظناها من كل شيطان رجيم).حفظها الله من استراق السمع وحفظها حفظ للقران الكريم.

_ حفظ الأرزاق في الخزائن (وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين *وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم).

_ حفظ ماء المطر في باطن الأرض(وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين).

_ حفظ الله لأدم وذريته حيث قال(ولأغوينهم أجمعين* إلا عبادك منهم المخلصين) هذه الآية تبين كيف واجه الشيطان ربه بأنه سيغوي عباد الله إلا الذين حفظهم الله تعالى.

_ حفظ الله لإبراهيم عليه السلام بأن أمده الله بالولد  على كبر وبشره وأرسل له الملائكة وجعله يضيف الملائكة, ولا يوجد أحد ضيف الملائكة إلا إبراهيم عليه السلام, فهذا نوع من الحفظ والكرامة.
وكذلك حفظ الله له تلامذته وهو لوط عليه السلام وهو ابن أخيه, فحفظه الله عندما انتقم من قومه.

_ حفظ الله لشعيب عليه السلام فقال (وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين) فانتقم الله منهم ونجى الله شعيب عليه السلام.

_ حفظ الله لقوم صالح عليه السلام فقال(ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين). فأخذتهم الصيحة وحفظ الله صالح ومن آمن معه.
_ في آخر السورة ذكر الله الحفظ, حفظ رسوله صلى الله عليه وسلم فقال الله (فا صدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين* إنا كفيناك المستهزئين).
فلا يستطيع المستهزؤن أن يصلوا إلى الرسول إلى القتل والإساءة كما قال تعالى (والله يعصمك من الناس).

_ وكذلك من حفظ الله لنبيه لما حصل له الضيق في صدره فقال(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون * فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).[10]

·         سور ذوات (الر)  من سورة يونس: في أولها: (أوحينا إلى رجل منهم) وفي آخرها: (واتبع ما يوحى إليك). وسورة هود ويوسف وإبراهيم والحجر كلها مفتتحة بذكر القرآن، ومختتمة به.

·       قوله (ربَما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) تقرا بالتخفيف (ربَما) وبالتشديد (ربَّما) وكلاهما صحيح,ويكون ذلك إذا عاينوا الحقيقة.

·       (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) ذرهم فيما هم فيه من حياة حيوانية محضة للأكل والمتاع. لا تأمل فيها ولا تدبر و لا استطلاع. ذرهم في تلك الدوامة: الأمل يلهي والمطامع تغر، والعمر يمضي والفرصة تضيع.
·       (ويلههم الأمل)وصورة الأمل الملهي صورة إنسانية حية. فالأمل البراق ما يزال يخايل لهذا الإنسان، وهو يجري وراءه، وينشغل به، ويستغرق فيه، حتى يغفل عن الله، وعن القدر، وعن الأجل وحتى ينسى أن هنالك واجبا، وأن هنالك موتا، وأن هناك نشورا.
«فسوف يعلمون» ..
حيث لا ينفع العلم بعد فوات الأوان.. وهو أمر فيه تهديد لهم، وفيه كذلك لمسة عنيفة لعلهم يصحون من الأمل الخادع الذي يلهيهم عن المصير المحتوم.[11]
قال بعض العلماء في قوله ( ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون) ذرهم تهديد وقوله فسوف يعلمون تهديد آخر كيف يهنأ العيش بين تهديدين..

·       لا يعدل عن الاسم الصحيح لإستهزاء آخر به, مثل قول الكفار للنبي صلى الله عليه وسلم  " يا أيها الذي نزل عليه الذكر استهزاء فلا يعني أن لا نقول الذكر لإنهم  استهزؤا به فقال الله (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

·       أن الملائكة لا تنزل على الرسول إلا لهلاك المكذبين من قومه حين ينتهي الأجل المعلوم وعندئذ فلا إمهال ولا تأجيل: قال تعالى(ما ننزل الملائكة إلا بالحق، وما كانوا إذا منظرين).

·       هذا خبر من الله ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) أن القرآن محفوظ من الزيادة والنقصان وفيه رد على الطوائف الضالة التي تقول أن القرآن فيه زوائد ونواقص.


·       (وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) فتسمية القرآن ذكرا تسمية جامعة عجيبة لم يكن للعرب علم  بها من قبل أن ترد في القرآن. فصار الذكر والقرآن صنفين من أصناف الكلام الذي يلقى للناس لقصد وعيه وتلاوته، كما كان من أنواع الكلام الشعر والخطبة والقصة ويدلك على ذلك قوله تعالى: (وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين)  فنفى أن يكون الكتاب المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم شعرا، ووصفه بأنه ذكر وقرآن ,أنه من صنف الذكر ومن صنف القرآن، لا من صنف الشعر ولا من صنف الأساطير.

·       (كذلك نسلكه في قلوب المجرمين * لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين)
عقاب من الله لهم لإجرامهم وتلقيهم الحق بالسخرية وعدم التدبر، اختير لهم وصف المجرمين دون الكافرين لأن وصف الكفر صار لهم كاللقب لا يشعر بمعنى التعليل. ونظيره قوله في الآية الأخرى (وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم).
والتعبير بصيغة المضارع في نسلكه للدلالة على أن المقصود إسلاك في زمن الحال، أي زمن نزول القرآن، ليعلم أن المقصود بيان تلقي المشركين للقرآن.


·       في هذه الآية  اشارت إلى إعجاز وهو أن الرياح تقوم بعملية التلقيح الريحي للنباتات قال تعالى( وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين).[12]

·       ذكرت في هذه السورة قصة البشرية الكبرى, قصة آدم. مم خلق؟ وماذا صاحب خلقه وتلاه؟ ولقد مرت بنا هذه القصة في سورة البقرة، وفي سورة الأعراف.
ولكن مساقها في كل مرة كان لأداء غرض خاص, ثم اختلفت الحلقات التي تعرض منها في كل موضع، واختلفت طريقة الأداء، تشابهت مقدمات القصة في السور الثلاث في الإشارة إلى التمكين للإنسان في الأرض وإلى استخلافه فيها,
ففي سورة البقرة سبقها في السياق: «هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا، ثم استوى إلى السماء، فسواهن سبع سماوات وهو بكل شيء عليم» ..
وفي سورة الأعراف سبقها: «ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون» ..
وهنا سبقها: «والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون، وجعلنا لكم فيها معايش ومن لستم له برازقين» ..

ففي هذه السورة فإن نقطة التركيز في السياق هي سر التكوين في آدم، وسر الهدى والضلال، ومن ثم نص ابتداء على خلق الله آدم من صلصال من حمأ مسنون، ونفخه فيه من روحه المشرق الكريم وخلق الشيطان من قبل من نار السموم. ثم عرض حكاية سجود الملائكة وإباء إبليس استنكافا من السجود لبشر من صلصال من حمأ مسنون. وطرده ولعنته. وطلبه الإنظار إلى يوم البعث وإجابته. وزاد أن إبليس قرر على نفسه أن ليس له سلطان على عباد الله المخلصين. إنما سلطانه على من يدينون له ولا يدينون لله.[13]


·       قال تعالى(لأزينن لهم في الأرض)
حدد الشيطان عدته فيها إنه التزيين. تزيين القبيح وتجميله، والإغراء بزينته المصطنعة على ارتكابه. فليفطن الناس إلى عدة الشيطان وليحذروا كلما وجدوا في أمر تزيينا، وكلما وجدوا من نفوسهم إليه اشتهاء. إلا أن يتصلوا بالله ويعبدوه حق عبادته، فليس للشيطان- بشرطه هو- على عباد الله المخلصين من سبيل:
(ولأغوينهم أجمعين. إلا عبادك منهم المخلصين).[14]


·       (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون )والمقصود من ذكر هذه الأشياء التنبيه على عجيب صنع الله تعالى إذ أخرج من هذه الحالة المهينة نوعا هو سيد أنواع عالم المادة ذات الحياة. وفيه إشارة إلى الأطوار التي مرت على مادة خلق الإنسان.[15]

·        تكرار السجود في سورة الحجر بداية قصة خلق آدم عليه السلام في قوله (فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين *فسجد الملائكة كلهم أجمعون * إلا إبليس أبى أن يكون مع الساجدين قال يا إبليس ما لك ألا تكون مع الساجدين ....وفي نهاية السورة تكرر لفظ السجود فقال تعالى....فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين).


·       قوله {ونزعنا ما في صدورهم من غل} وزاد في هذه السورة {إخوانا} لأنها نزلت في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وما سواها عام في المؤمنين. ونلاحظ  التعبير باللفظ (ونزعنا) دون (أخرجنا أو سلبنا) وذلك للدلالة بأن الغل استحكم في قلوبهم حتى صار بحاجة إلى قوة لإستخراجه وهذا ما يدل عليه الفعل(نزع) من تكلف الجهد والمشقة.[16]

·       قوله ( لها سبعة أبواب لكل باب جزء مقسوم)..
النار مقسومة :باب للذين أشركوا وباب للمنافقين وباب لليهود وباب للنصارى وباب للصابئين وباب للمجوس وباب لأهل التوحيد..

·       (نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم. وأن عذابي هو العذاب الأليم)..
يجيء هذا الأمر للرسول- صلى الله عليه وسلم- بعد ذكر جزاء الغاوين وجزاء المتقين في سياق السورة.والمناسبة بينهما ظاهرة في السياق. ويقدم الله نبأ الغفران والرحمة على نبأ العذاب.. فقد كتب على نفسه الرحمة. وإنما يذكر العذاب وحده أحيانا أو يقدم في النص لحكمة خاصة في السياق تقتضي إفراده بالذكر أو تقديمه.


·        قصة إبراهيم مع الملائكة المرسلين إلى قوم لوط, وقد وردت هذه القصة  
في مواضع متعددة تناسب السياق الذي وردت فيه ووردت قصة لوط وحده في مواضع أخرى وقد ذكرت  قصة لوط في الأعراف، وذكر  قصة إبراهيم ولوط في هود.
فأما في الأولى فقد تضمنت استنكار لوط لما يأتيه قومه من الفاحشة، وجواب قومه: «أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون»  وإنجاءه هو وأهله إلا امرأته كانت من الغابرين. وذلك دون ذكر لمجيء الملائكة إليه وائتمار قومه بهم.
 وأما في الثانية فقد جاءت قصة الملائكة مع إبراهيم ولوط مع اختلاف في طريقه العرض. فهناك تفصيل في الجزء الخاص بإبراهيم وتبشيره وامرأته قائمة، وجداله مع الملائكة عن لوط وقومه. وهو ما لم يذكر هنا. وكذلك يختلف ترتيب الحوادث في القسم الخاص بلوط في السورتين.
 ففي سورة هود لم يكشف عن طبيعة الملائكة إلا بعد أن جاءه قومه يهرعون إليه وهو يرجوهم في ضيفه فلا يقبلون رجاءه، حتى ضاق بهم ذرعا وقال قولته الأسيفة: (لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) وأما هنا فقدم الكشف عن طبيعة الملائكة منذ اللحظة الأولى، وأخر حكاية القوم وائتمارهم بضيف لوط. لأن المقصود هنا تصديق النذير، وأن الملائكة حين ينزلون فإنما ينزلون للعذاب فلا ينظر القوم ولا يمهلون..[17]

·       كذلك يثبت هنا رد إبراهيم ولا يدخل امرأته وحوارها في هذه السورة.

·        الضلال هو أكبر وأعظم الموانع  من رجاء رحمة الله ( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)

·       (فأسر بأهلك بقطع من الليل. واتبع أدبارهم، ولا يلتفت منكم أحد، وامضوا حيث تؤمرون), كن في آخر أهلك ,لما يكون القائد في آخر القوم يكون مراعياً لضعيفهم ويحرسهم ,ولا يدع أحدا منهم يتخلف أو يتلكأ أو يتلفت إلى الديار على عادة المهاجرين الذين يتنازعهم الشوق إلى ما خلفوا من ديارهم فيتلفتون إليها ويتلكأون, وكان ذلك من هدي المرسلين.[18]

·       (إن في ذلك لآيات للمتوسمين. وإنها لبسبيل مقيم * إن في ذلك لآية للمؤمنين)
وهكذا صدق النذير، وكان نزول الملائكة إيذانا بعذاب الله الذي لا يرد ولا يمهل ولا يحيد.

·       قوله (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) هذا قسم من الله بحياة رسوله وهذا من أعظم فضائله أن يقسم الرب عز وجل بحياته صلى الله عليه وسلم.والضمير في قوله إنهم يعود على قوم لوط عليه السلام.[19]

·       قوله تعالى   (سكرتهم) وهذه السكرة هي سكرة محبة الفاحشة التي لا يبالون معها بعذل ولا لوم. فلما بينت له الرسل حالهم، زال عن لوط ما كان يجده من الضيق والكرب، فامتثل أمر ربه وسرى بأهله ليلا فنجوا.[20]


·       (وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين فانتقمنا منهم* وإنهما لبإمام مبين...) قد تعني مدين والأيكة، فهما في طريق واضح غير مندثر، وقد تعني قرى لوط السالفة الذكر وقرية شعيب، جمعهما لأنهما في طريق واحد بين الحجاز والشام. ووقوع القرى الداثرة على الطريق المطروق أدعى إلى العبرة، فهي شاهد حاضر يراه الرائح والغادي.

·       (ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين) أصحاب الحجر هم قوم صالح، والحجر تقع بين الحجاز والشام إلى وادي القرى، وهي ظاهرة إلى اليوم. فقد نحتوها في الصخر في ذلك الزمان البعيد، مما يدل على القوة والأيد والحضارة.

·       (فأخذتهم الصيحة مصبحين )فما يأمن قوم على أنفسهم أكثر مما يأمن قوم بيوتهم منحوتة في صلب الصخور, وما يبلغ الاطمئنان بالناس في وقت أشد من اطمئنانهم في وقت الصباح المشرق الوديع.

·       جاء في نهاية سورة الحجر أوامر للنبي محمد صلى الله عليه وسلم وهي قوله تعالى: 
(فاصفح الصفح الجميل..) .. (العفو: ترك المؤاخذة بالذنب. والصفح: إزالة أثره من النفس. صفحت عن فلان إذا أعرضت عن ذنبه(.
(لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين * وقل إني أنا النذير المبين). نهي عن الالتفات إلى زهرة الدنيا وعبر سبحانه عن إيتائها لأهلها بالتمتع المنبئ عن وشك زوالها عنهم، ثم عن الحزن لعدم إيمان المنهمكين فيها، وأمر بمراعاة المؤمنين والاكتفاء بهم عن غيرهم وبإظهار قوامه بمواجب الرسالة ومراسم النذارة حسبما فصل في تضاعيف ما أوتي من القرآن العظيم. ويفرد الإنذار هنا دون التبشير لأنه الأليق بقوم يكذبون ويستهزئون.

·       قوله( واخفض جناحك للمؤمنين ) أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم على خفض الجناح ذلك لأن الطائر يخفض جناحه ليقترب من شيء يحبه أو عندما يريد حضن فراخه من أي أذى إشعاراً بالخوف والعطف عليهم وهذا الدور الذي أسنده رب العزة للنبي صلى الله عليه وسلم ليكون بمنزلة الأب  الراعي والمعلم الواعي الذي يربي النفوس ويهذب العقول ويحن على الصغير والكبير.[21]
(فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين). وهذه الآية الكريمة أمر الله فيها نبيه صلى الله عليه وسلم  بتبليغ ما أمر به علنا في غير خفاء ولا مواربة.
(فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين* واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
إن التسبيح والصلاة أعظم مانع من الكآبة والضيق والحزن, وهي أجل ما تتنفس به الكروب لأن الله لما علم بتأثر النبي أرشده إلى طريق التنفيس.

·       قوله تعالى(ولقد آتيناك سبعاً من المثاني والقرآن العظيم).هذه الآية متعلقة بمنة الرسول صلى الله عليه وسلم  أنه آتاه سبعاً من المثاني ,والمراد بها: سورة الفاتحة ويدل عليه حديثان من البخاري هما: حديث  أبي سعيد بن المعلى،وحديث أبو هريرة رضي الله عنهما
نص صحيح من النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالسبع المثاني والقرآن العظيم: فاتحة الكتاب، و به تعلم أن قول من قال: إنها السبع الطوال، غير صحيح، إذ لا كلام لأحد معه  صلى الله عليه وسلم  ومما يدل على عدم صحة ذلك القول: أن آية الحجر هذه مكية، وأن السبع الطوال ما أنزلت إلا بالمدينة. والعلم عند الله تعالى.[22]

رسالة المجلس:
(ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون *فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين * واعبد ربك حتى يأتيك اليقين).
أن الإنسان إذا أصيب بهم وضيق في صدره ثم سبح الله وأكثر من الصلاة ومن الذكر أزال الله همه وشرح صدره..
إن الآيات تصف لنا بلسما قرآنيا رائع وهو )الاستقامة على مراد الله – الإعراض عن المخالفين – اليقين في معية الله وتوفيقه – الصبر وتلمح العاقبة – الذكر لاسيما التسبيح والحمد – الصلاة والسجود - مواصلة الاجتهاد)..




[1] التحرير والتنوير(14-73)
[2] المفردات للأصفهاني(ص:220)
[3] التفسير الموضوعي(4-93)
[4] التفسير  المباشر
[5] منتدى الكلم الطيب
[6] التفسير الموضوعي..
[7] منتدى الكلم الطيب
[8] التفسير الموضوعي(4-96)
[9] أسرار ترتيب  القران(1-99)
[10] التفسير المباشر
[11] في ظلال القران(4-2126)
[12] فاضل السامرائي.
[13] في ظلال القران(4-2136)
[14] في ظلال القرآن(4-2141)
[15] التحرير والتنوير(14-42)
[16] ملتقى أهل التفسير.
[17] في ظلال القران(4-2147)
[18] في ظلال القران(4-2149)
[19] التبيان في أقسام القرآن(1-429)
[20] السعدي.(1_433)
[21] ملتقى أهل التفسير.
[22] أضواء البيان(2-315)

هناك 4 تعليقات:

  1. السلام عليكم:

    لا طعن بعد اليوم في القرآن
    ان نظرية ( تبخر - تكثف - مطر) تجاوزها الزمن هي و من اعتقد بها، كيف ذلك؟
    لكن الطعن في أقوال العلماء نعم و أنا من يطعن في نظرية تكوين ماء المطر و في أقوال علمائنا الذين ذهبوا للاستدلال بالقرآن لتثبيت هذه النظرية المضللة غير أننا لا ننسى أن من اجتهد ولم يصب فله أجر. اليكم : المعنى العلمي لكلمات " لواقح - المعصرات - طهورا"

    1- ارسال الرياح هو ارسال التيارات الهوائيه الصاعدة و التيارات الهوائية الهابطة ( ascending and descending air currents)،

    2 - المعصرات من فعل يعصر و المعصرة مفرد (compressions) و هي نتيجة التقاء قوتين ميكانيكيتين متعاكستين ( و هي ذات التيارات الهوائية الصاعدة و ذات التيارات الهوائية الهابطة)

    3 - اللقاح عند بلوغ نسبة انضغاط مناسبة تمكن ذرات الهيدروجين من لقاح ذرات الأكسيجين (fertilization or combination ) فتنشيء جزيئات الماء في انفعال كيميائي انفجاري محض.

    4 - و العلماء يعلمون أن عملية اصطناع الماء هي انفعال كيميائي انفجاري (the synthesis of water is explosive ) لذلك نرى البرق أولا (سرعة الضوء) ثم نسمع صوت الانفجار (صرعة الصوت) ثم نشهد مطرا (سرعة نزوله أبطأ من سرعتي الضوء و الصوت).

    5 - طهورا (distillé) فالماء المنتج عن هذا اللقاح طهورا حتما لأنه يتكون من غازين فقط (المكونين للماء)

    6 - الخلاصة هي أن " البرق و الرعد و المطر (الماء) هي عملية واحدة موحدة" و أن ماء المطر لم يتكون كما تعلمنا و أن بخار الماء هو مرحلة تليها مرجلة تحلل جزيئاته لتحرير مكوناته H2 و O و لم يصعد على شكل H2O لأن الماء في حاله الغازي (بخار) هو أعني جسم مركب H2O

    7- ما يسمى الشحنات الموجبة هي في حقيقة الأمر H مؤين لأنه يوجد دائما في الأعلى(حفيف) و الشحنات السالبة هي O مؤين يوجد أسفل الأول لأنه أثقل منه. في صفحة واحدة برسومها في 3 لغات (عربي- فرنسي- أنجليري) http://pdf.lu/zui0/
    فالدورة الطبيعية للماء تكون اذن:
    "تبخر- تحلل البحار الى H2 و O - انضغاط - لقاح O + H2 - تكثف - مطر "
    و الـلــــه و رسـولـه أعـلــم

    ردحذف
  2. جزى الله كاتب هذه التذكرة خيرا، وما أظن إلا أن له قلبا محباً لكتاب الله، والله أعلم بحقيقة حاله.

    ردحذف
  3. فضلا كتابة الايات وعمل الاقواي بعنايه ارجوا مراجعه النصوص المكتوبه ضروري جدا لان بها اخطاء كثيره .جزاكم الله خيرا

    ردحذف

رأيك يهمنا