الثلاثاء، 27 مارس 2012

"في جيدها حبل من مسد"

حول قوله تعالى (في جيدها حبل من مسد)
ما يثير الإنتباه في هذه الآية كلمة (جيدها)فالعرب تستخدمها دوماً للتعبير الحسن بدل العنق أو الرقبة . فالجيد يعقبه دوماً العقد سواء كان من اللؤلؤ أو المرجان أو الذهب. أو يستخدم للوصف الجمالي الغزلي كما يقول الشاعر:
والجيد ذو طول وحسن في بيا***ض واعتدال ليس ذا نكران
يشكو الحليّ بعاده فله مدى الـ***أيام وسواس من الهجران
وقد تطرق بعض علماء التفسير في الحكمة من استخدام النص القرآني للجيد بدلاً من الرقبة أو العنق . رغم أن القرآن أورد في غير موضع كلمة العنق أو الأعناق كقوله تعالى :وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وقوله: إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلاَلاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُم مُّقْمَحُونَ. ولكن الملاحظ أن استخدامها في مواضعها كانت كلها على سبيل الذم والتحقير . فما الحكمة هنا في استخدام الجيد بدلاً منها وذلك في وصف أعتا وأعدا امرأة للإسلام في التاريخ ؟؟؟
قال العلماء أن تلك المرأة وهي أم جميل والتي كانت تفتخر أنها أعظم امرأة في قريش نسباً ومكانة اجتماعية . والتي كانت رقبتها أو جيدها لا يخلو من عقود الؤلؤ والذهب والجوهر . والتي كانت تتفاخر في النعومة لجيدها لأقرانها من نساء قريش . فقد استُخدم نفس المعنى الذي كان سائداً في الدنيا وذلك للتحقير والتقعير في الآخرة . كقوله تعالى (فبشرهم بعذاب اليم) فإن ذلك الجيد في الدنيا الذي كان يطوقه الذهب والجوهر . فإن الله تعالى استبدل ذلك بالحبل من المسد عذاباً دائماً لها لأن العذاب من جنس العمل.
وقد ذكرت التفاسير ان اُم جميل حين سمعت ما نزل فيها وفي زوجها من القرآن أتت رسول اللّه وهو جالس في المسجد عند الكعبة، وفي يدها فهر من حجارة، فلما وقفت عليه أخذ اللّه ببصرها عن رسول اللّه فلم تره، لكنها قالت: قد بلغني انه يهجوني، واللّه لو وجدته لضربت بهذا الفهر فاه، أما واللّه إني لشاعرة، ثم أنشأت تقول: (مذمماً عصينا) (لو أمرَه أبينا) (ودينه قلينا).
ثم انصرفت.
قال : ما رأتني، لقد أخذ اللّه ببصرها عنّي.
وقد كانت قريش تسمّي رسول اللّه مذمّما، يسبّونه به، وكان رسول اللّه يقول: ألا تعجبون لما يصرف اللّه عني من أذى قريش؟ يسبون ويهجون مذمماً، وأنا محمد.
الطريف والملفت . أن العضو البشري الوحيد الذي ذكر بثلاثة أسماء مختلفة في القرآن الكريم.هو العنق ،والرقبة ، والجيد. والله أعلم.
 

أ/ تيسير الغول

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يهمنا