الجمعة، 16 ديسمبر 2011

سورة قريش للمرحلة الجامعية

بسم الله الرحمن الرحيم
المرحلة: جامعي .             المادة: تأملات.              الموضوع: سورة قريش .    العنوان: الخوف والجوع.
المقدمة والتمهيد:
الحمدلله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد ليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
اللهم اشرح لنا صدورنا ويسر لنا أمورنا واختم بالباقيات الصالحات آجالنا..اللهم اجعلنا ممن يقيم القرآن بحروفه وحدوده ولاتجعلنا ممن يقيم القرآن بحروفه ويضيع حدوده..
اللهم احفظ بلاد المسلمين وانصرأخواننا المستضعفين يا رب العالمين, اللهم انهم جياع فاطعمهم , اللهم عراة فأكسهم , اللهم واحقن دمائهم وبدّل خوفهم أمنا وول عليهم أخشاهم لربّهم وأتقاهم له ليحكّم فيهم شرعك..          اللهم آمين..
كيف هي أحوالكم يا أخوات ؟
كيف أمسيتم بالأمس وكيف أصبحتم اليوم ؟ اسأل المولى أن تكون أوقاتكم عامرة في رضاه.
ثم أوجه لهن بعض الأسئلة لأسمع اجاباتهن المختلفة...:
·      من منكن يا أخواتي لم تتناول العشاء ونامت وهي تشعر بجوع - لو يسير- في هذه الأيام الشاتية ؟
·      من منكن فعلت العكس أكلت إلى أن شعرت بالتخمة ؟
·      من منكن كانت وسطا بينهما ؟
·      هل من بينكن من كانت تشعر بخوف وترقب لأمر معين فلم تستطع النوم والراحة بسببه؟
يجب علينا أن نعلم يقيناً أن جوعنا وخوفنا يختلف تماماً عن معناه الحقيقي المتمثل في الدول الإسلامية التي تواجه المحن والحروب..ومهما بلغ خوفك وجوعك تذكري حالهم وارفعي أيادي الشكر والحمد لله وخري ساجده شاكرة لنعمته
 فنعمة الأمن هي من أعظم النعم التي أنعم الله علينا بها في بلدنا, وفقدان الأمن يقابله خوف مجهول؛ فيشعر الإنسان بالتهديد, ولا يدري من أين يأتيه الضرر وكيف؟ وحتى الجوع يهدد الإنسان في حياته, وكلاهما الخوف والجوع مصدرا تهديد لغريزة البقاء, فإذا ما فقد الإنسان أي منهما, عندها لن يستطيع أحد التنبؤ بردود أفعاله, فقد يبيح لنفسه عمل كل المحرمات, وقد يتوحش فيتحول إلى إنسان عنيف, لضمان البقاء.. فاللهم أتمها علينا وعلى كل المسلمين ، وارزقنا شكرها حتى تدوم .
وقد امتن على قوم - سماهم في كتابه باسم سوره - بأنه سبحانه أنعم عليهم بأعظم نعمة قبل أن يسلموا ويزيدهم من هذه النعمة إن هم أسلموا .. فماهي هذه السورة؟ أحسنتم هي سورة قريش..
وعنواننا اليوم آية فيها ماهي؟ [الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف]
وقبل أن نبحر في معاني هذه الآية نأخذ لمحة سريعة عن السورة ومعاني كلماتها وآياتها..
ثم تقوم أحداهن بتلاوة هذه السورة..
 بِسۡمِ ٱللهِ ٱلرَّحۡمَـٰنِ ٱلرَّحِيمِ
[[لِإِيلَـٰفِ قُرَيۡشٍ (١) إِۦلَـٰفِهِمۡ رِحۡلَةَ ٱلشِّتَآءِ وَٱلصَّيۡفِ (٢) فَلۡيَعۡبُدُواْ رَبَّ هَـٰذَا ٱلۡبَيۡتِ (٣) ٱلَّذِىٓ أَطۡعَمَهُم مِّن جُوعٍ۬ وَءَامَنَهُم مِّنۡ خَوۡفِۭ (٤)]]
أسرار ترتيب السورة بما قبلها ومابعدها وتفسيرها الاجمالي:
سورة الفيل :بأن رد كيد عدوه بثلاث‏:‏ جعله في تضليل,وأرسل عليهم طيراً أبابيل,وجعلهم كعصف مأكول .
وشرفه في سورة قريش بثلاث‏: تألف قومه , وإطعامهم , وأمنهم . وشرف في الماعون بذم عدوه بثلاث‏:‏ الدناءة واللؤم في قوله ‏[[‏فذلكَ الذي يدعُ اليَتيم ولا يَحضُ عَلى طعامِ المسكين‏]]‏ وترك تعظيم الخالق في قوله‏:‏ ‏[[‏فَويلٌ للمُصلين الذينَ هُم عَن صلاتِهِم ساهون الذينَ هُم يُراءونَ‏]]‏ وترك نفع الخلق في قوله‏:‏ ‏[[‏ويمنَعونَ الماعون‏ٍٍ]]..
وقال كثير من المفسرين‏:‏ إن الجار والمجرور متعلق بالسورة التي قبلها أي‏:‏ فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل لأجل قريش وأمنهم، واستقامة مصالحهم، وانتظام رحلتهم في الشتاء لليمن، والصيف للشام، لأجل التجارة والمكاسب‏.‏
فأهلك الله من أرادهم بسوء، وعظم أمر الحرم وأهله في قلوب العرب، حتى احترموهم، ولم يعترضوا لهم في أي‏:‏ سفر أرادوا، ولهذا أمرهم الله بالشكر، فقال‏:‏ ‏[فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْت ‏]‏ أي‏:‏ ليوحدوه ويخلصوا له العبادة، ‏[الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ‏]‏ فرغد الرزق والأمن من المخاوف، من أكبر النعم الدنيوية، الموجبة لشكر الله تعالى‏.‏
فلك اللهم الحمد والشكر على نعمك الظاهرة والباطنة، وخص الله بالربوبية البيت لفضله وشرفه، وإلا فهو رب كل شيء‏.‏‏.‏
والإيلاف هو الإلف . قال علماء اللغة : ألفت الشيء وألفته إلفا وإلافا وإيلافا بمعنى واحد ، أي لزمته فيكون المعنى لإلف قريش هاتين الرحلتين تتصلا ولا تنقطعا..
·      لماذا تكرر هذا اللفظ ؟
التكرير في قوله: [لإيلاف قريش إيلافهم ] هو أنه أطلق الإيلاف أولا ثم جعل المقيد بدلا لذلك المطلق تفخيما لأمر الإيلاف وتذكيرا لعظيم المنة فيه ، والأقرب أن يكون قوله :[ لإيلاف قريش ] عاما يجمع كل مؤانسة وموافقة كان بينهم ، فيدخل فيه مقامهم وسيرهم وجميع أحوالهم ، ثم خص إيلاف الرحلتين بالذكر لسبب أنه قوام معاشهم ...
·      مناسبة ذكر: رب بدلاً من الله أو اختصارها بـ: ربهم؟
تعريف ( رب ) بالإضافة إلى هذا البيت دون أن يقال : فليعبدوا الله ، لما يومئ إليه لفظ ( رب ) من استحقاقه الإفراد بالعبادة دون شريك .
وأوثر إضافة ( رب ) إلى هذا البيت دون أن يقال : ربهم للإيماء إلى أن البيت هو أصل نعمة الإيلاف بأن أمر إبراهيم ببناء البيت الحرام ، فكان سببا لرفعة شأنهم بين العرب.
·    أقسام الإنعام:
قوله تعالى :[ فليعبدوا رب هذا البيت ] اعلمي أن الإنعام على قسمين : أحدهما : دفع الضرر .
والثاني : جلب النفع ، والأول أهم وأقدم ، ولذلك قالوا : دفع الضرر عن النفس واجب أما جلب النفع  فإنه  غير واجب ، فلهذا السبب بين تعالى نعمة دفع الضرر في سورة الفيل ونعمة جلب النفع في هذه السورة ، ولما تقرر أن الإنعام لا بد وأن يقابل بالشكر والعبودية ، لا جرم أتبع ذكر النعمة بطلب العبودية فقال : [ فليعبدوا ]
نأتي الآن لمحور حديثنا وهو قوله تعالى: [ الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ]
فمن تذكر لي بعض الآيات التي جمعت هاتين الصفتين؟
"
إن للأمن أثراً كبيراً على استقرار البلاد والعباد وحسن معايشهم، ومن تدبر في آي القرآن وجد تلازماً وثيقاً في عدد من آياته بين الأمن ورغد العيش من جهة، وبين الخوف والجوع من جهة أخرى.منها:
1/ قال تعالى: [وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آَمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ [البقرة: 126.
 2/ قال تعالى : [وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ [البقرة155
  3/ قال تعالى: [وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آَمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ] النحل 112
فهذه أولى الحاجات الغريزية التي يشترك فيها الإنسان مع كل حي ، وأول درجة في سلّم الحاجات الذي يبدأ بالحاجات الغريزية وينتهي إلى الروحية ، فالجوع خياراته ضيقة أما الأمن فأوسع (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغماً كثيراً وسعة) النساء 100. كيف تهاجر بلا طعام ؟.
فالجوع نفسه مخيف ، وأما الخوف فلا يجيع .
وإطعام الطعام قد يكون سبباً من أسباب الأمان في الحاضر .
والخوف يكون توقع من شيء في المستقبل ، وقد يكون خوفاً من مجاعة وغيرها.
بمثابة التعليل لموجب أمرهم بالعبادة ; لأنه سبحانه الذي هيأ لهم هاتين الرحلتين اللتين كانتا سببا في تلك النعم عليهم ، فكان من واجبهم أن يشكروه على نعمه ويعبدوه وحده .
وفي قوله تعالى  [فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ]، ربط بين النعمة وموجبها ، كالربط بين السبب والمسبب .
وفيه بيان لموجب عبادة الله تعالى وحده ، وحقه في ذلك على عباده جميعا ، وليس خاصا بقريش .
إذن فما هو الواجب علينا وكيف نحيى بهذه الآية؟
واجب علينا جميعاً ، أن نقابل نعم الله بالشكر ، وأن نشكرها بالطاعة والعبادة لله ، وأن نحذر كفران النعم .
ونتمعن في الجمع بين إطعامهم من جوع وأمنهم من خوف ،أنه نعمة عظمى لأن الإنسان لا ينعم ولا يسعد إلا بتحصيل النعمتين هاتين معا ، إذ لاعيش مع الجوع ،ولا أمن مع الخوف ،وتكمل النعمة باجتماعهما , فلك يارب الحمد والشكر.
من منكن تذكر لي حديث يدعم هذا المعنى؟
ولذا جاء الحديث : " من أصبح معافى في بدنه آمنا في سربه عنده قوت يومه ، فقد اجتمعت عنده الدنيا بحذافيرها " .
ماسبب تقديم الشتاء على الصيف والجوع على الخوف في سورة قريش؟
المعروف أن حاجة الإنسان للطعام في الشتاء أكثر من الصيف والخوف في الصيف أكثر لأنه فيه يكثر قطّاع الطرق والزواحف لذا قدّم تعالى الشتاء والخوف على الصيف والجوع وقال أيضاً أطعمهم ولم يقل أشبعهم لأن الإطعام أفضل من الإشباع. ولقد جاءت سورة قريش بعد سورة الفيل للتركيز على الأمن في البيت الحرام بعد عام الفيل.
د/ فاضل السامرائي
·      ماسبب ادخال ( من ) على كلمتي : خوف وجوع ولماذا جاءتا بالتنكير ؟
( من ) هنا معناها : البدلية ، أي : أطعمهم بدلا من الجوع وآمنهم بدلا من الخوف . ومعنى البدلية هو أن حالة بلادهم تقتضي أن يكون أهلها في جوع . فإطعامهم بدل من الجوع الذي تقتضيه البلاد ، وأن حالتهم في قلة العدد وليسوا أهل بأس ولا فروسية ولا شكة سلاح تقتضي أن يكونوا معرضين لغارات القبائل ، فجعل الله لهم الأمن في الحرم عوضا عن الخوف الذي تقتضيه قلتهم .
وتنكير ( جوع ) و ( خوف ) للنوعية لا للتعظيم ، إذ لم يحل بهم جوع وخوف من قبل ؛ فقد أصابتهم شدة حتى أكلوا الجيف والعظام المحرقة . وأما الخوف ، فهو الخوف الشديد الحاصل من أصحاب الفيل ، ويحتمل أن يكون المراد من التنكير التحقير ، يكون المعنى أنه تعالى لما لم يجوز لغاية كرمه إبقاءهم في ذلك الجوع القليل والخوف القليل ،    فكيف يجوز في كرمه لو عبدوه أن يهمل أمرهم ؟
·      لماذا قال اطعمهم ولم يقل اشبعهم؟
لم يقل : وأشبعهم لأن الطعام يزيل الجوع ، أما الإشباع فإنه يورث البطنة (وخير الطعام ما سد الجوعة)
·      قيل في معنى وامنهم من خوف قول رائع وهو:
 أنه أطعمهم من جوع الجهل بطعام الوحي ، وآمنهم من خوف الضلال ببيان الهدى ، كأنه تعالى يقول : يا أهل مكة كنتم قبل مبعث محمد تسمون جهال العرب وأجلافهم ، ومن كان ينازعكم كانوا يسمون أهل الكتاب ، ثم أنزلت الوحي على نبيكم ، وعلمتكم الكتاب والحكمة حتى صرتم الآن تسمون أهل العلم والقرآن ، وأولئك يسمون جهال اليهود والنصارى .
فـ ((إذا كان إطعام الطعام الذي يكون غذاء الجسد يوجب الشكر ، فإطعام الطعام الذي هو غذاء الروح ، ألا يكون موجبا للشكر ؟! ))
·      ألفاظ (الخوف) في القرآن:
(الخوف): توقع مكروه . وهو ما يُقَوِّم الله به الشاردين من بابه، ويسير بهم إلى صراطه، حتى يستقيم به أمر من كان مغلوباً على رشده. ومن علامته: قصر الأمل، وطول البكاء. والخوف من الله يراد به الكف عن المعاصي واختيار الطاعات.
وفي القرآن الكريم جملة من الألفاظ تدل على حالة نفسية تعتري الإنسان جراء سلوك إيجابي أو سلبي، يُعبر عن هذا الشعور تارة بالخشية، أوالخوف، وتارة بالفزع أوالروع ، وتارة بالرعب أوالهلع، وتارة بالرهبة أوالوجل، وتارة بالوجف، أوالحذر .. وهناك فروق بين دلالة كل كلمه وأخرى على حسب السياق الذي جاءت فيه وإن كان المعنى الأساسي متقارب.
مثلاً: الفرق بين الخوف الفزع :
الفزع مفاجأة الخوف عند هجوم غارة أو صوت وما أشبه ذلك. وهو انزعاج القلب بتوقع مكروه عاجل . وتقول: فزعت منه، فتعديه بـ (مِن). وتقول: خفته، فتعديه بنفسه. فمعنى خفته، أي: هو نفسه خوفي. ومعنى فزعت منه، أي: هو ابتداء فزعي؛ لأن (مِن) لابتداء الغاية. ويقال: خفت من الله، ولا يقال: فزعت منه.
·      المنة بالإطعام لا تليق بمن له شيء من الكرم ، فكيف بأكرم الأكرمين ؟
ليس الغرض منه المنة ، بل الإرشاد إلى الأصلح ، لأنه ليس المقصود من الأكل تقوية الشهوة المانعة عن الطاعة ، بل تقوية البنية على أداء الطاعات ، فكأن المقصود من الأمر بالعبادة ذلك .
بعض الفوائد من الايات:
1/ أن الله صدر هذه الآية بالسبب الحقيقي لحفظ الأمن وهي عبادته سبحانه وحده لاشريك له..
2/  ليس بيننا وبين الله نسب ؛ فلو تركنا أسباب الأمن نخشى أن نعاجل بعقوبة نسأل الله السلامة والعافية .
3/ إقامة شعائرالله ودعوة الناس إليها والإصلاح والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو مما يدفع البلايا والمحن عن هذه البلاد وعن كل بلد بإذن الله .
4/ إن في هذه السورة دليلا على أن دعوة الأنبياء مستجابة ; لأن الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام دعا لأهل الحرم بقوله [[ فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات ]]وقال : [[ ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك]] ، فأطعمهم الله من جوع وآمنهم من خوف ، وبعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته  .
الواجب:
وصف سبحانه بيته الحرام - بما فيه الكعبة المشرفة – بالأمن ووردت آيات عديدة، يفيد مجموعها كون البيت الحرام بيتًا آمنًا للناس؛ ورد مقابلها أحاديث، تخبر بخراب الكعبة، وأيضًا، بعض الوقائع التاريخية ، تثبت أن البيت الحرام قد ناله الخراب والدمار وهذا ما يعارض صفة ( الأمن )، التي وصف الله بها بيته الحرام. فكيف يمكن الجمع والتوفيق بين الآيات، التي وصفت البيت بأنه آمن، وبين الحديث المُخْبِر عن تخريب الكعبة على يد ذي السويقتين ؟
أجاب العلماء على هذا السؤال بجوابين:
الأول: أن ( الأمن ) الذي أخبر به القرآن ليس أمنًا دائمًا، لا يزول ولا يحول، وإنما هو أمن محدود بقرب قيام الساعة، وانتهاء الحياة في هذه الدنيا، بحيث لا يبقى في الأرض أحد يقول: الله الله؛ وقد صح في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام: ( لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله ) رواه مسلم . وفي رواية ابن حبان : ( ثم تظهر الحبشة، فيخربونه خرابًا، لا يعمر بعده أبدًا ). فإذا شارفت الحياة الدنيا على نهايتها، واقتربت الساعة، أرسل الله ذا السويقتين، فيخرب الكعبة، ويكون هذا من علامات اقتراب الساعة. فليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن ودوامه، ويكون معنى قوله تعالى: { حرما آمنا }، أي: آمنا إلى قرب القيامة، وخراب الدنيا، وبذلك يندفع التعارض، ويزول الإشكال بين الآية والحديث .  
ثانيًا: أن قوله تعالى: { أولم نمكن لهم حرما آمنا }، على عمومه، وما ورد من أحاديث ووقائع تاريخية تنافي وصف البيت بالأمن الذي جاءت به الآية، فإنما هي استثناءات عارضة، وأمور طارئة، ليس لها صفة الدوام، بل سرعان ما تزول، وسيبقى البيت كما أخبر تعالى: { حرما آمنا }، تهوي إليه أفئدة الناس من كل حدب وصوب؛ قال ابن بطال: " فهذا شرط الله لا ينخرم ولا يحول، وإن كان في خلاله وقت يكون فيه خوف، فلا يدوم، ولابد من ارتفاعه، ورجوع حرمتها وأمنها، وحج العباد إليها ". واسترشد من قال بهذا القول، بقوله صلى الله عليه وسلم: ( ليحجن البيت، وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج ) رواه البخاري .
على أن من العلماء من ذهب إلى أن عموم الآية مخصص بالحديث، غير أن ما تقدم من التوفيق بين الآية والحديث، هو الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم . 
وحاصل القول من كل ما تقدم، أنه لا تعارض بين قوله تعالى: { أولم نمكن لهم حرما آمنا }، وبين قوله عليه الصلاة والسلام: ( يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة )، وأن الحديث مبين للآية، وموضح لمجملها .      

سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك ..
المراجع:
1/ تفسير السعدي.      2/ التفسير الكبير للرازي.       3/ التحرير والتنوير.  4/ أضواء البيان للشنقيطي.
5/ لمسات بيانية للدكتور فاضل السامرائي.    6/ خطبة الجمعه لـ: د: ناصر الحنيني.
7/ مقال لـ أ: حسان الرواد, بعنوان: الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف.
8/ موقع ملتقى أهل التفسير.   9/ موقع الموسوعة الشاملة: أسرار ترتيب القرآن.
10/ موقع مقالات إسلام ويب " القرآن الكريم " .
 منى سعيد
دبلوم عام

هناك تعليق واحد:

رأيك يهمنا