الأربعاء، 13 أبريل 2011

من أوجه تناسب سورة الحجر مع مضمونها

الحمد لله والصلاة والسلامُ على رسول الله وآله وصحبه والتابعين , وبعد:

فإنَّ الحجرَ في اللغة هو المنعُ , وقدذكر لي فضيلة الدكتور/ عبد الله الحكمة أنَّ بين اسمها ومضمونها تناسبٌ فحاولتُ قراءة أوجه تناسب هذا اللفظ ومعناهُ مع بعض مضمون السورة , ووضعتهُ بين يدي إخوتي ومشايخي الكرام طلباً للنقد والتقويم والتصحيح ,وشكر الله لكم أجمعين


• افتتحَ اللهُ هذه السورة بالحروف المقطعة التي يُحجَـرُ بها على عقول المعاندين المكذبين فيمنعهم العجزُ عن معارضة كتاب الله ومشابهته رغم تألُّـفه من هذه الحروف التي بها يتكلمون , ومع ذلك لا يأتون بمثله ولو ظاهرهم من بأقطارها.

• وفي صدر السورة وصف الله القرآنَ بأنهُ مبينٌ , وهذا صريحٌ في أنَّ من تبعَ القرآنَ واهتدى به فإنهُ يمنعهُ من أن يضلَّ أو يحتارَ أو تشتبهَ عليه الأمور بفضل هذه الإبانة والإيضاح التي تلازمُ كتاب الله.

• الأمـلُ واللهوُ واللعبُ هي عواملُ منعِ بناء النفس وزيادة الإيمان وإدراك الحقائق , فهي جِـماعُ أسباب الغفلة وغياب الوعي (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل).

• من عدل الله تعالى أن يمنعَ عقوبتهُ ومؤاخذتهُ وإهلاكهُ للعصـاة حتى يستكملوا آجالهم (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتابٌ معلوم * ما تسبق من أمةٍ أجلها وما يستأخرون)

• أنَّ إفلاسَ الكفار والعجزَ عن المواجهة بالحجة والبرهان مما منعهمُ من الإذعان للحق حيث اضطرّهم إلى إساءة الأدب في خطاب رسول الله بأسلوبٍ غايةٍ في الصفاقة وعدم الحياء قائلين (يا أيها الذي نُزل عليه الذكرُ إنك لمجنون).

• امتناعُ إمهالِ الله تعالى في حق من نزلت عليه ملائكةُ الله بعذاب (ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذاً منظرين)

• منعُ الاشتـباهِ في أن يكونَ في القرآنِ حرفٌ من عند غير الله (إنا نحنُ نزلنا الذكر).

• منعُ اللهِ تعـالى من أن يتَـطرقَ التبديلُ والتحريفُ إلى الكتاب الكريم (وإنا لهُ لحافظـون).

• منعُ اليأس والحزن من استيطـان قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب تكذيب قومه , وذلك بتسليته وتذكيره بإخوته السابقين من رسل الله (ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين).

• أنَّ من ختم الله على قلبه وأراد فتنتَـهُ فلن يؤثر فيه خرقُ العادات الكونية فضلاً عن آيات القرآن ونُـذره (ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون.....).

• أنَّ السحرَ يحجر على عقل المسحور فيؤثرُ في غياب الحسِّ والوعيِ كما يؤثرُ سدُّ البصر وتغشيته في غياب المحسوسات , ولذلك قرن الله بينهما (لقالوا إنما سُكرت أبصارنا بل نحن قومٌ مسحورون).

• أنَّ سعة علم الله وإحـاطتهُ بكل شيء تمنعُ من أن يخفى عليه أمرٌ مما كان وما يكونُ وما هو كائنٌ , بل وما لم يكنْ فإن الله يعلمُ لو كان كيف يكونُ ومِـن هذا الأخير (ولو فتحنا عليهم باباً من السمـاء...).

• أنَّ اللهَ منعَ الشياطينَ من استراق السمع من السماء (وحفظناها من كل شيطـان).

• أنَّ من سمعَ بعضَ أخبار السماء من الشياطينِ سيمنعهُ الشهاب الذي يرسَـلُ عليه من الإخبار بما سمع إذْ لا يخلو من الموت به أو اختلال حفظه لما استرق.

• امتناعُ القدرةِ على رَزْقِ المخلوقات إلا في حق الله تعالى (ومن لستم لهُ برازقين) ولذلك لم يجرؤ أحدٌ ممن ادعى الربوبية في قديمٍ أو حديثٍ على زعمِ ذلك.

• أنَّ اعتقادَ المَـرء امتلاءَ خزائن الله بكل مرغوبٍ يمنعُـهُ من استمناحِ أحدٍ أو ابتدائه بالسؤال قبل الله تعالى (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه).

• امتناعُ دوام الحياة المطلق على غير الله فكل شيء يهلك إلا هو (وإنا لنحنُ الوارثون).

• تأخيرُ المؤاخذة ومنعُ وقوعها قبل بيان الحجة وانتفاء العذر عن العاصي , لأنَّ الله سأل إبليس وهو سبحانهُ أعلمُ , ولكنهُ أخر العقوبة حتى قال إبليس (لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصالٍ).

• العاداتُ والموروثاتُ إذا أشرِبَها المرءُ تحجُـرُ العقلَ عن الرضا والتسليم بأمر الله ( قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصالٍ من حمإ مسنون).

• الامتناعُ عن الاعتداد بالمخالف الذي لا وجه لخلافه , لأنَّ الله تعالى قال (إلى يوم الوقت المعلوم ) مع أن من الخلق من ينكر البعثَ , فلما لم يكن لخلافهم أثرٌ أهمِـل ولم يعتدَّ به.

• الجنةُ دار السلامة والسلام ممنوعٌ منها من كانت به شائبةٌ من معصيةٍ حتى يطهُر منها بالمغفرة أو النار (ادخلوها بسلام آمنين)

• الأمنُ والسلامةُ ركنا السعادة والهناء , ووجودُ أحدهما دون الآخر يحولُ دون اكتمال النعيم , ولذلك جمع الله بينهما للجنة , وجعلهما الرسول صلى الله عليه وسلم ثلثي حيازة الدنيا.

• غرابةُ أخلاقِ الضيف وامتناعُـهُ عن طعام المضيف مما يمنعُ طمأنينتهُ واستئناسهُ بالضيف (قال إنا منكم وجلون) وفي غير هذه السورة فصل سبب وجله بقوله سبحانه (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم..).

• الضلالُ هو أكبـرُ وأعظمُ الموانع من رجاء رحمة الله (ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون).

• من هداية القرآن تعليمه لنا الامتناعَ عن مباشرة ذوي الهيئات بوصف النقص , ولذلك قالت الملائكة (فلا تكن من القانطين) ولم يقولوا لا تكن قانطاً , وفي غير هذه السورة قال الله لنبيه نوح (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) ولم يقل ولا تكونن جاهلاً وقال (يعلمون أنه منزل من ربك بالحق فلا تكونن من الممترين).

• منعُ الله تبارك وتعالى لحِـسِّ الفاجر المعاقَـب الذي طبع على قلبه من التيقظ وإدراك خطر ما سيحل به – استدراجاً له - فإنَّ قوم لوطٍ حين رأوا الملائكة لم يخطر لهم غيرُ الفاحشة وصرحوا بذلك ( وجاء أهلُ المدينة يستبشرون).

• الكفرُ أغلظُ الموانع من الاتعاظ بمصارع الهالكين (إن في ذلك لآيةً للمؤمنين).

• امتناعُ صحة الإيمان على من كذب بأي رسول من رسل الله , وذلك أنَّ أصحاب الأيكة كذبوا صالحاً وحده , ومع ذلك أنزلهم الله تعالى منزلة المكذبين بجميع رسل الله ويؤكد ذلك قول الله عن المؤمنين (لا نفرق بين أحد من رسله).

• منعُ الإعراض والجحود من التسليم للمعجزات فناقة صالح خرجت من الصخرة وكثر لبنها عند خروجها وعظم حجمها عن حجم النوق المعروف ومع ذلك قال الله (فكانوا عنها معرضين).

• توجيه الله تعالى لحامل القرآن بالامتناع عن النظر إلى الدنيا وأهلها واعتقاد أنَّ غيرهُ أوتي خيراً منهُ لئلاَّ يجهلَ حقيقة الحال فلا يقدر نعمة الله قدرَها , لأنَّ الله حين امتنَّ على نبيه صلى الله عليه وسلم بالقرآن أعقب ذلك بـ (لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به...) ولذلك فسر بعض أهل العلم قوله صلى الله عليه وسلم (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) بـ (يستغني به).

• منعُ الله لنبيه صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين وحمايتهُ لهُ من مكرهم (إنا كفيناكَ المستهزئين).

• منعُ طبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم البشرية في تأثره بقيل المشركين من إحقاق باطل الغلاة من المبتدعة الذين ينزلونه منزلة الرب (ولقد نعلمُ أنك يضيق صدرك..)

• أنَّ التسبيحَ والصلاةَ أعظمُ مانعٍ من الكآبة والضيق والحزن , وهي أجلُّ ما تتنفس به الكروب لأنَّ الله لما علم بتأثر النبي صلى الله عليه وسلم أرشدهُ إلى طريق التنفيس (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين).

• منعُ جواز انقطـاع أي مكلف عن عبادة الله حتى يموتَ خلافاً لما يزعمهُ بعضُ الجهلة من سقوط التكليف عمن بلغ منزلة اليقين كما يحسبون , فإنَّ الله أمر أتقى خلقه له وأحبهم إليه وأعظمهم زلفى لديه بالاستمرار في العبادة حتى الموت , ونشهدُ أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبْـدُه ورسولهُ عبَـدَهُ حتى أتاهُ اليقين وهو يغرغرُ ويوجهنا بقوله (الصلاة الصلاة) حتى ما يفيضَ بها لسانهُ.

كتبه الأستاذ محمود الشنقيطي، معيد بقسم الدراسات القرآنية - كلية العلوم - جامعة الملك سعود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يهمنا