الاثنين، 11 يناير 2010

سورة الماعون

بسم الله الرحمن الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وبعد ... وقفات تربوية مع سورة الماعون , للمرحلة الجامعية . " سور الماعون سورة مكية , آياتها سبعة , ترتيبها في النزول 17 " المقدمة : إن سورة الماعون ذات الآيات السبع القصيرة تعطينا حقيقة باهرة لطبيعة هذه العقيدة , وللخير الهائل العظيم المكنون فيها لهذه البشرية , وللرحمة السابغة التي أرادها الله , موضحة أن هذا الدين لا تغني فيه مظاهر العبادات والشعائر ما لم تكن صادرة عن الإخلاص لله المؤثر في القلب المتمثل في سلوك تصلح به حياة الناس في هذه الأرض وترقى . كذلك توضح تكامل المنهج الرباني في تعاون عباداته وشعائره وتكاليفه الفردية و الإجتماعية التي تعلمنا طهارة القلوب والتعاون والتكافل الذي يصلح الحياة ويجعل المجتمع كالجسد الواحد .(1) الآيات من (1-3) فبدأت السورة باستفهام عجيب " أرأيت الذي يكذب بالدين " ؟! وكأن من يكذب بالدين كثير ... ممكن أن يراه أي أحد إذا عرف صفاته ... ثم إن كلمة أرأيت التي فيها إشارة للبصر؛ تفضح من يكذب بالدين بقلبه نفاقا وتنبئنا عن أفعاله حتى نعرفه بها .. وابتداء السورة بالاستفهام من أروع أساليب تشويق السامع أو القارئ للجواب فهو ينبئ عن أهمية الموضوع أو خطورته . ثم يأتي الجواب وتأتي معه المفاجئة " فذلك الذي يدع اليتيم * ولا يحض على طعام المسكين " _ حتى ولو صلى كما ستوضح الآيات فيما بعد _ أي يدفع اليتيم دفعا يعنفه ويهينه ويؤذيه , والذي لا يحث على طعام المسكين ولا يوصي برعايته , فكيف بالذي لا يطعم أصلا .. (2) وكأن الله عز وجل يعلمنا أن دين الإسلام هو دين الرحمة والعطف والشفقة هو دين التكافل والتعاون والمحبة , وأن من يعتقد شيء في باطنه فإنه ظاهر على سلوكه لا محالة , وأن الدين الإسلامي عبادات ومعاملات لا ينفك أحدهما عن الآخر , حق لله وحقوق للبشر لا يكتمل الإيمان إلا بهما معا . يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الراحمون يرحمهم الرحمن , ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) وقد حث صلى الله عليه وسلم على كفالة اليتيم في أحاديث كثيرة فقال : ( أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة ) وقرن بين إصبعيه الوسطى والتي تلي الإبهام . أخرجه أبو داوود (1) ومن فضل الله علينا أن يسر لنا كفالة اليتيم بدفع المال فقط دون رعايته أو حتى معرفته عن طريق الجمعيات الخيرية وقد نشر في رسائل الجوال : اكفل يتيما وحفظه القرآن ب125 ريال شهريا مع تزويدك بتقرير عن اليتيم وحفظه للقرآن و لك الأجر , اطلب المندوب : 8001242299 ( برعاية الندوة العالمية ) والذي أوصي به نفسي وأخواتي أن لا نبخل على أنفسنا بالأجر ولو حتى بنشر الرسالة بين الناس فقد تكفلي أكثر من يتيم دون أن تدفعي شيئا . فذكر سبحانه صفتين من صفات المكذب وهي من المعاملات من حقوق البشر , وقدمها على العبادات التي هي من حقه سبحانه . الآيات (4-7) ثم بين كيفية تأدية المكذب بالدين لهذا الحق فقال " فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون * الذين هم يراؤون ويمنعون الماعون " فيذهل السامع لأول وهلة بالوعيد الشديد لفاعل أعظم عبادة بعد التوحيد , وهنا أسلوب آخر من أساليب التشويق التي تشد الانتباه ؛ وهي ذكر الحادثة قبل ذكر أسبابها !! ثم يبين سبب الويل ويوضح حقيقة عظيمة قد يغفل عنها الكثير ... أنه ليس كل من صلى فهو من المؤمنين ومن أهل الجنة !! بل كثير ممن يؤديها هو من أهل النفاق , فتكون حجة عليه وترمي به في نار جهنم !! وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن آية " الذين هم عن صلاتهم ساهون " فقال : (هم الذين يؤخرون الصلاة عن وقتها ) أخرجه ابن جرير الطبري (2) فمن الناس من يؤخر الصلاة عن وقتها ومنهم من يؤديها حركات وكلمات بلا روح لأنهم يصلونها رياء للناس لا إخلاص لله عز وجل .قال تعالى : " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " وإقامة الصلاة لا تكون إلا باستحضار حقيقتها والقيام بها لله وحده , ومن هنا لا تؤثر الصلاة في نفوس هؤلاء وبالتالي لا تؤثر في سلوكهم فهم " يمنعون الماعون " (1) في هذه الآية عاد فذكر حق آخر من حقوق العباد وهو دفع المعونة لإخوانه التي لا يضر إعطاؤها على وجه العارية أو الهبة كالإناء أو الدلو أو الفأس ولو أنهم أقاموا الصلاة ما منعوا العون عن عباد الله .(2) فبذلك استحقوا الويل والوعيد الشديد من الله عز وجل ، وفي هذه الآيات الأخيرة درس تربوي للمربين يعلمنا إياه الله عز وجل حينما قال " فويل للمصلين * الذين هم عن صلاتهم ساهون " فإنه عز وجل لا يعاقب أحد إلا بعد أن يوضح له المنهج الصحيح الذي يجب عليه أن يسلكه فإن فرط ولم يتبع فإنه يعاقبه ويبين له سبب العقوبة وهو التفريط وعدم سلوك المنهج الصحيح فإن كثير من المربين قد يعنف المتربي ويعاقبه دون أن يحذره من الخطأ ويعلمه السلوك الصحيح ثم يعاقب دون أن يعلمه سبب العقوبة فيكون ظلما وإجحافا في حق المتربي سواء كان طفل أو مراهق . وفي نهاية السورة لابد أن نعلم أن الله عز وجل لا يريد منا شيئا لذاته فهو الغني سبحانه إنما كل عبادة أو معاملة أمرنا بها هي لأنفسنا هداية ورشاد ، ومحبة وألفة ومن ثم السعادة بصلاح المجتمعات . (3) فأين نحن من هذا النور؟ وهذا الخير العظيم في كتاب الله ؟ الذي هو دليل للسائر لا يضل من سلكه . وحسبنا ما ذكرنا عن السورة باختصار شديد ومن أراد التوسع عليه الرجوع إلى كتب أهل العلم في السيرة والعبادات والمعاملات والحمد لله رب العالمين . (1) الظلال ,سيد قطب (2) تفسير السعدي (3) الظلال , سيد قطب
آلاء العرواني
معهد معلمات القرآن / غرب الرياض
المستوى الثالث / الدبلوم العام

هناك تعليقان (2):

  1. رااائع جدا آلااء العرواني أحسنتي وقفة قيمة جدا مع السورة زادك الله علما وعملا وبارك الله فيك معلمتنا الحبيبة منى على هذه اللفتة والتشجيع للوقوف مع الآيات .

    ردحذف
  2. رائع جداً، وقفات مفيدة وتسلسل رائع

    ردحذف

رأيك يهمنا