الأربعاء، 8 يوليو 2009

تأملات في سورة الكهف

سورة الكهف تحتوي هذه السورة على أربع قصص و في نهاية كل قصة تعقيب عليها، و القصص هي: قصة أهل الكهف تدور حول مجموعة من الشباب الذين آمنوا بالله في بلد كل أهلها كافرون و حاولوا أن يدعوا ملكهم للإيمان و لكنه رفض و لما أحسوا بأنهم في خطر و أن قومهم قد يقتلونهم، أووا إلى الكهف و هناك حدثت المعجزة و جعلهم الله ينامون فترة طويلة كانت 309 سنة، ثم أيقظهم و جعل أهل قريتهم يعثرون عليهم و يعرفون معجزة الله تعالى فيهم. قصة صاحب الجنتين و صاحبه و هي قصة رجل كان غنيا و له جنتان مثمرتان، و لكنه كان لا يشكر ربه و لا يعترف بفضله عليه، و أراد صاحبه أن ينصحه و يجعله يتوب و يرجع إلى الله و لكنه أبى، فكان جزاؤه أن دمر الله له جنتيه. قصة موسى عليه السلام و الخضر و تبدأ عندما سأل رجل موسى عليه السلام عن أعلم أهل الأرض فقال له أنا، فأخبره الله تعالى أن هناك رجلا أعلم منه هو الخضر، فذهب له موسى و لازمه فترة حدثت لهما فيها أحداث غريبة تفسرها لنا السورة. قصة ذي القرنين و هي قصة ملك فتح بلادا كثيرة في أنحاء الأرض، حتى وصل إلى قوم استغاثوا به لينقذهم من يأجوج و مأجوج، فبنى لهم السد الذي يمنعهم من الإغارة عليهم، و هو السد الذي سيتهدم حين يجيء أمر الله بقرب قيام الساعة. لأول وهلة قد نحس أن هذه القصص لا يوجد رابط بينها و لكن بالتأمل فيها نجد أن القصص الأربع كل واحدة منها تتكلم عن فتنة من الفتن الشديدة التي يتعرض لها بنو آدم في كل زمان فجاءت: قصة أهل الكهف تتعرض لفتنة الدين. قصة صاحب الجنتين تتعرض لفتنة المال. قصة موسى عليه السلام و الخضر تتعرض لفتنة العلم. قصة ذي القرنين تتعرض لفتنة السلطة و الجاه. و من هنا نفهم أن هدف السورة هو العصمة من الفتن، لذلك فمن فضل قراءة سورة الكهف أن من يقرأها يوم الجمعة أضاء الله له نورا من قدميه إلى عنان السماء، و قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:"من أدرك الدجال فقرأ فواتح سورة الكهف أو خواتيمها عُصِم منه"، و هنا يمكن لنا أيضا أن نربط بين الدجال و ما جاء في السورة من فتن كالآتي: فتنة الدين و الدجال يفتن الكثير في دينهم بما يمكنه من إحياء للموتى. فتنة المال و الدجال يأمر الأرض فتخرج كنوزها و يستطيع أن يتحكم في المطر. فتنة العلم و الدجال يفتن الكثيرين بما يخبرهم به من غيبيات. فتنة السلطة و الدجال تدين له معظم بلاد الأرض ما عدا مكة و المدينة فلا سلطان له عليهم. و قد وضحت لنا السورة عقب كل قصة كيفية النجاة من الوقوع في الفتنة التي ذكرتها فجاءت: الآية 28-29 بعد قصة أهل الكهف توضح أن النجاة من فتنة الدين تتمثل في الصحبة الصالحة و تذكر الآخرة. الآية 45-46 بعد قصة صاحب الجنتين توضح أن النجاة من فتنة المال تأتي من فهم حقيقة الدنيا و تذكر الآخرة. الآية 69 بعد قصة موسى و الخضر توضح أن النجاة من فتنة المال وسيلتها التواضع. الآية 103-104 بعد قصة ذي القرنين توضح أن النجاة من فتنة السلطة تتمثل في أن تكون مخلصا في عملك لله، و أن تتذكر الآخرة. و جاءت الآية الأخيرة 110 لتركز تركيزا شديدا على العصمة من الفتن تأتي بأن تعمل عملا صالحا و بأن تخلص كل عملك لله، و لقد قال العلماء أن شروط قبول العمل أن يكون صحيحاً و أن تخلص نيتك لله. و جاءت الآية 50 في منتصف السورة و بعد أول قصتين فيها بذكر الشيطان و قصته لأن الشيطان هو المحرك الأساسي لأي فتنة فيجب الانتباه و الحرص على عدم الوقوع تحت تأثيره. تسمية السورة سميت السورة بالكهف لأنه رمز بأن من يتوكل على الله و يتمسك بشرع الله و دينه، فلابد أن يقف الله معه و يسانده، فهؤلاء الفتية فروا بدينهم حتى لا يفتنوا فيه فحماهم الله و جعل لهم من الكهف المظلم مأوى و أمانا و نوره لهم ليبدد الظلام و الوحشة، و هكذا فمن يتوكل على الله فهو حسبه. ملاحظات عامة على السورة الحركة في السورة كثيرة مثل فأووا، فانطلقا، فأعينوني، و هذا لأن الحركة مطلوبة لعدم الوقوع أو الركون إلى الفتن. بدأت السورة بذكر القرآن و انتهت أيضاً به، و في هذا إشارة واضحة أن من أهم عوامل الوقاية من الفتن هو التمسك بالقرآن. ذكرت في السورة الدعوة إلى الله بكافة مستوياتها فجاء دعوة الشباب للملك، و دعوة الصديق لصديقه، و تعليم صاحب العلم لتلميذه، و دعوة ولي الأمر لرعيته. و في هذا إشارة واضحة إلى أهمية الدعوة. تكثر في السورة ذكر الغيبيات مثل عدد أصحاب الكهف، و موقع السد بيننا و بين يأجوج و مأجوج، و غيرها لتلفت نظرنا بأن هناك أشياء كثيرة من حولنا و أحداث قد لا نستوعب الحكمة فيها فالواجب أن نفعل ما علينا و نجتهد و نسلم أمرنا لصاحب الأمر و نوقن بقدرة الله و علمه و حكمته।
خواطر قرآنية عمرو خالد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يهمنا