السبت، 1 أغسطس 2009

منهجيات الإصلاح والتغيير في سورة الكهف

المنهجية الأولى: التدرج من الاستضعاف إلى الحوار ومنها إلى التمكين تمثل هذه المنهجية كما يتضح من عنوانها ثلاث مراحل متدرجة من الصراع بين الحق والباطل، تتمثل أولاها في مرحلة الاستضعاف الذي تمثله قصة الفتية أصحاب الكهف الذين آمنوا بربهم فتعرضوا للتهديد بالقتل رجماً إن لم يعودوا -مثل بقية الناس- عباداً لغير الله تعالى. ويستنبط الكاتب من السورة أنه أمام هذه الحالة ليس من الشجاعة أن يقف هؤلاء المستضعفون القلة عددا وعدة في مواجهة هذه الأنظمة القوية الفاسدة، بل الحكمة والشجاعة هي في اتباع منهج: {ولْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا}. ويؤكد أن هذه الآية هي آية المنهج في القصة؛ فهي تلخص المنهج في الإصلاح والتغيير في أية حالة تتكرر فيها هذه الظروف نفسها، ويعتبر تجاوزاً من الدعاة أن يتخطوا هذه الآية إذا انطبقت عليهم الظروف نفسها. ويستدل على ذلك بما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم في المرحلة المكية التي استأسدت قوى الكفر على جماعة الإيمان فأذاقوهم ألواناً من العذاب والمطاردة حتى لما هاجروا إلى الحبشة وكان المنهج آنئذٍ: {كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاة}، وقد قتلت سمية بحربة في قُبُلها ، وكذا زوجها قتل شهيدا ، ولا يملك الرسول r إلا قوله: "صَبْرَاً آلَ يَاسِرٍ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إلى الْجَنَّةِ". ثم استشهد الكاتب بصورة مغايرة في مرحلة التمكين حينما فاجأ بني قينقاع بالغزو عندما كشفوا عورة امرأة مسلمة واحدة في سوق بني قينقاع في المدينة؛ لأنه هنا معه دولة وقوة. وحماية الأفراد جزء من سيادة وكرامة الدولة، والإمكانات القانونية والأعداد البشرية كلها توجب اتخاذ موقف مختلف، هذا مع بساطة جريمة كشف عورة امرأة مسلمة إذا قيست بقتل سمية بحربة في قُبُلها. ثم ينتقل الكاتب إلى الحديث عن المرحلة الثانية من مراحل الصراع بين الحق والباطل من خلال هذه المنهجية وهي مرحلة التساوي في السلطة، والتي يمثلها في سورة الكهف قصة الصاحبين اللذين لا يملك أي منهما سلطانا على الآخر، لكن اختار أحدهما طريق الإيمان واختار الآخر طريق الكفر، وكان أمام الصاحب المؤمن هنا أحد ثلاثة اختيارات؛ إما أن يعتزل صاحبه كما اعتزل أصحاب الكهف المستضعفون قومهم، وإما أن يجابهه بالقوة ويقتله، وإما أن يحاوره ويستخدم الأسلوب العقلي والإقناعي ومجابهة الحجة بالحجة والدليل بالدليل، واختار الصاحب المؤمن الاختيار الثالث؛ ليكون منهج الدعوة في حالة التساوي في السلطة بين الأصدقاء، والشركاء، والجيران، والأعضاء في نقابة أو هيئة أو مؤسسة تكون الحقوق فيها متساوية، وهنا لا يجوز غير الحوار؛ ولذا اعتبر أن الآية الوحيدة التي تعبِّر بصدق وواقعية عن منهج الإصلاح والتغيير هنا هي: {وَهُوَ يُحَاوِرُهُ} وهي الكلمة الوحيدة المكررة مرتين في القصة حيث أظهر الكفر عند الحوار، فبادله صاحبه حوارا بحوار. وينطلق المؤلف -بحسه الدعوي وهمه الإسلامي- من هذا المبدأ إلى توجيه الدعوة للمؤسسات والجماعات والهيئات والأقليات الإسلامية إلى اعتماد مبدأ الحوار والانفتاح على مؤسسات المجتمع المدني كطريق ناجع وفعال في توصيل رسالة الإسلام، مقتدين في ذلك بالصحابة رضوان الله عليهم الذين هاجروا للحبشة في حوارهم مع النجاشي، وكذلك حالة الحوار التي فتحها النبي –صلى الله عليه وسلم- بعد صلح الحديبية مع ملوك الأرض ورؤساء القبائل وقادة العشائر ، مما وسع دائرة الدعوة والقبول لهذا الدين العظيم أما المرحلة الثالثة فهي مرحلة التمكين لأهل الحق، ويمثلها في سورة الكهف قصة ذي القرنين، الذي يمثل ذروة القمة للحق، الذي عبر القرآن عنه بقوله: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا}. ويعلق على هذه الحالة قائلا: "وهنا تتضح الصورة المثالية للملك الصالح حيث: {أَتْبَعَ سَبَبًا}؛ أي استفاد من هذه الإمكانات الهائلة في الأخذ بالأسباب، والنزول إلى الناس في مغرب الشمس ومشرقها وما بين ذلك، ودخل إلى مناطق الأنهار والبحار والسدود؛ كي يحقق العدل في هذا الإعلان الواضح: {أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا}، وهو أعلى مستويات الإصلاح والتغيير بأكبر الإمكانات المتاحة، واستخدام السلطة القضائية والتنفيذية لإقرار العدل ومكافأة المحسنين الصالحين". وحينما شكا قوم يأجوج ومأجوج كان المنهج المناسب هنا هو {فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}، ويعلق أن هذه القوة تمثل قوة العلم والمادة، قوة اتخاذ القرار، قوة البناء والعمران، قوة التصنيع والتصدير، قوة الحماية والرعاية، قوة البذل والعطاء، قوة فعل الخير ونفع الغير ومنع الشر، قوة مواجهة الظلم بزبر الحديد والسبائك المعدنية والأسلحة المتنوعة، لأن هاهنا دولة أو مملكة وصلاحيات وسلطات يجب استخدامها في الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه، والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله।
د। صلاح سلطان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

رأيك يهمنا