الأحد، 15 مارس 2015

تدبر سورة العنكبوت

بسم الله الرحمن الرحيم
سورة العنكبوت
التمهيد ...
بين يدينا هذا اليوم سورة عظيمة تمثل الواقع الذي نعيشه ويعيشه إخواننا في بقاع من الأرض, وهذه السورة يقرؤها المؤمن المبتلى في دينه ويلاقي في دينه بلاء وفتنة من أعداء الله عز وجل أو من غيرهم فهذه السورة توطّن في قلبه الإيمان وتحثّه على الصبر والمجاهدة والجهاد فما أعظمها في مثل هذا الوقت الذي نعيشه نحن وإخواننا في بلدان شتّى متفرقة يلاقون ما يلاقون من البلاء والفتنة من أعداء الله والبلاء العظيم الذي يحتاجون فيه إلى أن يرتبطوا بكتاب الله سبحانه وتعالى فيزيدهم ذلك ثباتاً وصبراً ويقيناً بأن الله معهم وبياناً بأن الله موهن كيد الكافرين .
بين يدي السورة :
نزلت سورة العنكبوت في أواخر المرحلة المكية وترتيبها 85 نزول ([1])    نزلت بعد سورة الروم في الفترة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة قبل الهجرة , وكانت هذه الفترة من أقسى الفترات على المؤمنين , ولذلك تعرضت السورة لتثبيت الإيمان , وبيان أن المؤمن يتعرض للفتنة والامتحان بالإيذاء أو بالإغراء أو الوعد أو بالوعيد , وتناولت قصص الأنبياء السابقين وجهادهم وبلاءهم ثم إهلاك الكافرين وانتصار المؤمنين .([2])   
تسميتها :
تسمى سورة العنكبوت وسميت بهذا الاسم عند أهل التفسير والحديث وهو اسم توقيفي لها ,  ويدل على هذه التسمية حديث ابن عباس رضي الله عنهما فيما نزل بمكة وما ذكر بمكة (سورة العنكبوت ) واتفاق المصاحف على ذكرها بهذا الاسم . وعدد اياتها 69 آية . ([3])
مناسبتها لما قبلها :
أنه تعالى لما أخبر في أول السورة السابقة عن فرعون أنه " علا في الأرض " افتتح هذه السورة بذكر المؤمنين الذين فتنهم الكفار وعذبوهم على الإيمان بعذاب دون ما عذب به قوم فرعون بني إسرائيل تسلية لهم بما وقع لمن قبلهم وحثا لهم على الصبر ولذلك قال هنا " ولقد فتنا الذين من قبلهم"  وأيضا فلما كان في خاتمة القصص الإشارة إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم وفي خاتمة هذه الإشارة إلى هجرة المؤمنين بقوله " يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة  " ناسب تتاليهما . ([4])    
وكذلك يوجد ارتباط بين السورتين في تحديد الغاية والغرض، ففي سورة القصص بيان العاقبة المحمودة للمتقين المتواضعين: تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلا فَساداً، وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ "
وفي هذه السورة تقرير العاقبة الحسنة للمؤمنين الذين يعملون الصالحات: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً، تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ، خالِدِينَ فِيها، نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ " ([5])
مناسبتها لخاتمتها :
ختمت بالهجرة والجهاد في قوله " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" لقوله في أولها " أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون " وقوله "ومن جهد فإنما يجاهد لنفسه([6])   
مناسبتها لما بعدها :
قال في آخر العنكبوت "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ "  وقال في أول الروم "وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ" عاقبة المجاهدة النصر .
ذكر الجهاد والنفاق في السورة :
وحاء الحديث عن المنافقين في هذه السورة وهي مكية قبل ظهور المنافقين توطئة لما سيظهر في العهد المدني بعد هجرة الرسول الى المدينة من نفاق وضعف في الإيمان , فالله جل جلاله يعد المؤمنين الصادقين في المجتمع المدني للحذر من المنافقين .  ([7])  أما تفسير ذكر الجهاد فيها لأنها واردة بصدد الجهاد ضد الفتنة. أي جهاد النفس لتصبر ولا تفتن. وهذا واضح في السياق. وكذلك ذكر النفاق فقد جاء بصدد تصوير حالة نموذج من الناس. ([8])   
محور السورة :
محور سورة العنكبوت يدور حول الإيمان وتثبيته وقت الابتلاء والشدائد والمحن لأن المسلمين في مكة كانوا في أقسى أنواع المحنة والشدة , ولهذا جاء الحديث عن موضوع الفتنة والابتلاء في هذه السورة مطولا مفصلا وبوجه خاص عند ذكر قصص الأنبياء . ([9]) فالإنسان معرض أن يفتن في كثير من الأمور , كفتنة المال والبنين والشهوة والسلطة وهذا الابتلاء من تدبير الله سبحانه وتعالى ليبلو الناس أيهم أحسن عملا من أول حياتهم إلى نهايتها فلا يظن الإنسان أن الإيمان يبعده عن البلايا . ([10])   وتمضي السورة تتحدث عن فريق من الناس يحسبون الإيمان كلمة تقال باللسان فإذا نزلت بهم المحنة والشدة انتكسوا إلى جحيم الضلال وارتدوا عن الإسلام تخلصا من عذاب الدنيا ..
كما تتحدث السورة عن محنة الأنبياء وما لاقوه من شدائد وأهوال في سبيل تبليغ رسالة الله عزوجل , بدءا بنوح ثم إبراهيم ثم لوط ثم شعيب وتتحدث عن بعض الأمم الطغاة المتجبرين كعاد وثمود وقارون و هامان وتذكر مما حل بهم من  هلاك ودمار " فكلا أخذنا بذنبه " وبعد ذلك الاستعراض السريع لمحنة الأنبياء وما لاقوه من أممهم تبين السورة صدق محمد e  في دعوته وفي كل ما أخبر به " وما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك.." ثم تتحدث السورة عن الأدلة والبراهين الدالة على قدرة الله ووحدانيته ثم تختم ببيان جزاء الذين صبروا أمام المحن والشدائد موقنين أن الابتلاء سنة الله في عباده المؤمنين " والذين جاهدوا فينا " . ([11])
مقصد السورة :
تكاليف الإيمان والثبات في المحنة . ([12]) وتركز على قضية الثبات والصبر حال الابتلاء والفتن وعاقبته . ([13])
العلاقة بين اسم السورة وموضوعها :
الفتن مهما تشابكت وكثرت فهي أوهى من خيوط العنكبوت ومما يقوي إيمان المؤمن أن الأعداء مهما بذلوا من جهود لحرب الإسلام إلا أنهم ضعاف جدا أضعف من بيت العنكبوت .
موضوعات السورة :
الموضوع الأول : يتناول حقيقة الإيمان، وسنة الابتلاء والفتنة، ومصير المؤمنين والمنافقين والكافرين.
من الآية 1- 13
في هذه الآيات بيان اختبار المؤمنين على الشدائد والمحن في الدنيا، ومعرفة مدى صلابة الإيمان وقت الشدة،فالمؤمن هو المجاهد الصابر الذي لا يلين أمام الأحداث الجسام، وأما مهتز الإيمان أو المنافق، فيظهر الإيمان أحيانا، ولكنه لا يتحمل الأذى في سبيل الله.
وفي هذه الآيات وردت أنواع الفتن التي قد يبتلى بها الإنسان ووضحت الآيات طريق النجاة وما الواجب على الإنسان إذا وقع في الابتلاء وهذه الفتن هي كما ذكرها صاحب الظلال : الفتنة بالأذى، والفتنة بالقرابة، والفتنة بالإغواء والإغراء.([14])
فتنة في الدين من قبل الناس الكفرة البعداء .. المطلوب من المؤمن أن يجاهد بالصبر والمقاومة والدفاع على قدر استطاعته .فتنة في الدين من قبل الوالدين أو احدهما ... المطلوب بان يعامل والديه الكافرين بالحسن بما هو جميل معروف بحسنه . ([15]) كما وضحت اللآيات موقف ضعفاء الإيمان تجاه الفتنة في الدين، وموقف المؤمنين الصادقين تجاه الفتنة , هنا المؤمن الصادق هو الذي يستمر على الإسلام والإيمان متجاوزا هذه الفتن والمحن كلها وان المنافق يسقط من أول صدمة أو محنة  ([16])
الموضوع الثاني : يتناول قصص الأنبياء وما يصوره من فتن وعقبات في طريق الدعوات والدعاة، والتهوين من شأنها في النهاية . من آية 14 – 45
ابتدأت القصص بذكر قصة نوح عليه السلام أول نموذج صبر الأنبياء وقوة استمرارهم مع شدة الاستهزاء والامتحان والفتنة هذا الزمن الطويل ومع ذلك كان الصبر, وكان مع الصبر النصر فهذا أول نموذج على صبر أهل الإيمان على الامتحان . ثم تأتي قصة إبراهيم عليه السلام وهو يمثل نموذج للمحنة والفتنة ونموذج على نصرة الله لعباده المؤمنين ونموذج لثبات المؤمنين الصادقين  وتكفير سيئاتهم وإدخالهم في الصالحين وعلى نصرته لهم في الدنيا والآخرة .
ثم بيان قصة لوط عليه السلام فيها نموذج للمؤمن الصادق الذي يحمل دعوة الله في كل الظروف ونموذج على كون الكافرين لا يفلتون من عذاب الله ونموذج على نصر الله للمؤمنين وهذا يؤكد موضوع الرئيسي للسورة امتحان أهل الإيمان وكون الكافرين لا يفلتون من عذاب الله  . ([17]) 
ثم تأتي قصة شعيب فيها نموذج لما يدعوا إليه الرسل ,و فيها عبرة وعِظَة للمؤمنين وفيها تخويفٌ للكافرين المكذّبين.
ثم تأتي بعد ذلك القصص الأخرى سردًا إجمالًا قصة عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان هي في جانب الكافرين يعني تهديدًا وتوعدًا لهم وتذكيرًا بحال أولئك الأمم السابقة التي سبقتهم من المكذبين، قال الله (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ) وقال الله تعالى (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ) وتثبيتا للمؤمنين واطمئنانا لهم .
والموضوع الثالث :  يتناول النهي عن مجادلة أهل الكتاب إلا بالحسنى. إلا الذين ظلموا منهم. ويختم بالتثبيت والبشرى والطمأنينة للمجاهدين في الله المهديين إلى سبل الله: «وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ».([18]) (من 46الى نهاية السورة )
 و في هذه الآيات وصايا وتوجيهات للرسول e ومن تبعه وتهيئة للمؤمنين بما سيلاقونه في دار الهجرة وعن العلاقة بينهم وبين أهل الكتاب ويأمر المسلمين ألا يجادلوهم إلا بالتي هي أحسن- إلا الذين ظلموا منهم, وفيها بيان بشان المشركين المصرين على مواقفهم الكفرية وفيها الرد على بعض مطالب المشركين , و جاء الحديث عن الهجرة ومحل ذلك في سياق السورة التي تتحدث عن الامتحان ثُمَّ خَتَم الله عزَّ وجل السُّورة بِـخَيْرِ خِتَام، عوْداً على الــمُؤمنين. تأْنِيساً لهُم، وتأييداً وحَثَّاً وتقويةً لهُم بالـمُجاهدة والصَّبْر على ما يُصيبهم، وبين مُجاهدة الكافرين في توْهينٍ أمْرِهِم وقَطْعِ حُجَّتهم وإقامة الحُجَّة عليهم. قال الله (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
وقفات وتأملات في السورة :
الوقفة الأولى : الفتنة بالأذى
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)
قال القرطبي: والمراد بالناس قوم من المؤمنين كانوا بمكة، وكان الكفار من قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام، كسلمة بن هشام، وعياش بن ربيعة، والوليد بن الوليد.. فكانت صدورهم تضيق بذلك، وربما استنكروا أن يمكن الله الكفار من المؤمنين. قال مجاهد وغيره: فنزلت هذه الآية مسلية ومعلمة أن هذه هي سيرة الله في عباده، اختبار للمؤمنين وفتنة. ([19])   
والإيمان ليس كلمة تُقال، إنما مسئولية كبرى، هذه المسئولية هي التي منعتْ كفار مكة أنْ يؤمنوا؛ , فالحق سبحانه يُمحِّصكم ويبتليكم؛ لأنه يريدكم لمهمة عظيمة، لا يصلح لها إلا الصنديد القوي في إيمانه ويقينه.
لذلك يقول سبحانه في أكثر من موضع لتأكيد هذا المعنى : {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف والجوع وَنَقْصٍ مِّنَ الأموال والأنفس والثمرات وَبَشِّرِ الصابرين} [البقرة: 155] .
وقال: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حتى نَعْلَمَ المجاهدين مِنكُمْ والصابرين وَنَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ} [محمد: 31] .
وقال: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الجنة وَلَمَّا يَعْلَمِ الله الذين جَاهَدُواْ مِنكُمْ ... } [آل عمران: 142] . ([20])
قال الله تعالى (أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) ما معنى {يُفْتَنُونَ}؟ يُخْتبرون. مأخوذة من فتنة الذهب، حين نصهره في النار؛ لنُخِرج ما فيه من خَبَث، ونُصفِّي معدنه الأصلح، فيما يناسب مهمته. وكذلك تصنع الفتنة بالقلوب. فالفتنة ما كانت إلا لنعرف الصادق من القَوْلة الإيمانية والكاذب فيها: الصادق سيصبر ويتحمل، والكاذب سينكر ويتردد ([21])   الفتنة هي هنا بمعنى الاختبار والابتلاء بالمكاره او بغيرها ([22])   
لم يذكر المفعول للفتنة لإطلاقه فهم يفتنون في أمر دينهم في أي أمر وفي أيّ حال من الأحوال فيدخل فيها أنواع من الفتنة.  ([23])   أنه تعالى يمتحنهم بمشاق التكاليف كالمهاجرة والمجاهدة ورفض الشهوات ووظائف الطاعات وفنون المصائب في الأنفس والأموال ليتميز المخلص من المنافق والراسخ في الدين من المتزلزل فيه فيعامل بما يقتضيه ويجازيهم سبحانه بحسب مراتب أعمالهم ([24])   
وقد بينت السنة الثابتة أن هذا الابتلاء المذكور في هذه الآية يبتلى به المؤمنون على قدر ما عندهم من الإيمان ; كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل» . ([25])   
 قال الله سبحانه وتعالى (وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) هذه الآية  بيان أن هذا من سنة الأولين وأنهم قد فُتِنوا في دينهم كما فُتِن المؤمنون من قبل؟ مثل من ؟ أصحاب الأخدود الذين فُتنوا في دينهم فتنة عظيمة ربما أنها أشد بل هي أشد مما لقيه الصحابة  فتنوا بإلقائهم في النار في مقابل تمسكهم بدينهم. فهذا مما يخفف على المؤمن هذا البلاء الذي يعيشه لذلك قال الله تعالى في تلك السورة (إن ٱلَّذِينَ فَتَنُوا ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا(10) البروج) فهي من أعظم الفتنة أن يواجه الإنسان الموت في مقابل صبره على دينه. وأيضاً أصحاب الكهف فتنوا في دينهم بأن هاجروا وتركوا قومهم وأهلهم وصبروا على ذلك وغير ذلك  ([26])   
فمنهم من نشر بالمنشار ومنهم من قتل، وابتلي بنو إسرائيل بفرعون فكان يسومهم سوء العذاب، فليعلمن الله الذين صدقوا، في قولهم آمنا، وليعلمن الكاذبين، والله عالم بهم قبل الاختبار،. ([27])   
قال الله عز وجل (وَلَقَدْ فَتَنَّا) نسبة الفتنة إلى الله ما دلالة ذلك؟ للتمييز وأن الإنسان المؤمن لا بد أن يميّز لا بد أن يمحِّص ,وفيه أيضاً إشارة إلى أنه هو القادر سبحانه وتعالى على صرف هذه الفتنة عنهم مما يستلزم عليهم الصبر والالتجاء إلى الله ودعاء الله أن يصرف عنهم هذه الفتنة في مقابل يقينهم بالله وصبرهم يسألون الله تعالى أن يصرف عنهم.
 وذلك كما دعا موسى علية الصلاة والسلام ربه بقوله (وَقَالَ مُوسَىٰ رَبَّنَا إِنَّكَ ءَاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُۥ زِينَةًۭ وَأَمْوَ‌ٰلًۭا فِى ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا۟ عَن سَبِيلِكَ ۖ رَبَّنَا ٱطْمِسْ عَلَىٰٓ أَمْوَ‌ٰلِهِمْ وَٱشْدُدْ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا۟ حَتَّىٰ يَرَوُا۟ ٱلْعَذَابَ ٱلْأَلِيمَ (88) يونس) فموسى عليه السلام دعا ربه أن يزيل أمر فرعون بعد أن فتن قومه وفي هذا مما يفيد أن الإنسان إذا دعا الله وهو مظلوم أن يذكر في دعوته ما يلاقيه من البلاء وما فعله أولئك الظَلَمة الطغاة في ظلمهم وطغيانهم يعني يذكر سبب التجائه إلى الله وربه أعلم ولكن فيه إظهارٌ في الاستضعاف بين يدي الله عز وجل فذكر سبب الدعاء من موجبات الإجابة بإذن الله عز وجل. قال الله تعالى . ([28])   
فانظر مثلاً إلى ابتلاء بني إسرائيل مع فرعون، إذن فابتلاؤكم أهونِ وأخفّ، وفيه رحمة من الله بكم وأنتم أيسر منهم {فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين}  . ([29])   
وفي هذا أن الإنسان إذا ابتلي فإنه ينظر إلى من ابتلي أشد منه فهذا يخفف عليه وأيضا يلتجئ إلى الله وحده .
والمقصود هنا تنبيه الناس في كل زمان ومكان، إلى أن ظن بعض الناس بأن الإيمان يتعارض مع الابتلاء بالبأساء والضراء، ظن خاطئ، وإلى أن هذا الابتلاء سنة ماضية في السابقين وفي اللاحقين إلى يوم القيامة. ([30])   
  قال النسفي : قال ابن عطاء يتبين صدق العبد من كذبه في أوقات الرخاء والبلاء فمن شكر في أيام الرخاء وصبر في أيام البلاء فهو من الصادقين ومن بر في أيام الرخاء وجزع في أيام البلاء فهو من الكاذبين . ([31])   
قال الله تعالى " أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ساء ما يحكمون (4)
المراد بالذين يعملون السيئات الفاتنون للمؤمنين.وهذا وعيدهم بأن الله لا يفلتهم. وفي هذا أيضا زيادة تثبيت للمؤمنين بأن الله ينصرهم من أعدائهم.
وهذه الآية وإن كانت واردة في شأن المشركين المؤذين للمؤمنين فهي تشير إلى تحذير المسلمين من مشابهتهم في اقتراف السيئات استخفافا بوعيد الله عليها ([32])  فإن هذا أقرب للعقوبة الإنسان الذي يعمل السيئة وينسى وعيد الله وينسى خوفه من الله لا يبالي فإن إثمه أعظم وعقوبته أعجل فليحذر المؤمن من أن يعمل السيئات وينسى وعد الله عز وجل ووعيده ويظن أنه بذلك لن يصيبه من العقوبة ما يصيب غيره وذلك كله راجع إلى الغفلة والران الذي يكون على القلب. ([33])   
قال الله عز وجل (مَن كَانَ يَرْجُو۟ لِقَآءَ ٱللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ ٱللَّهِ لَاتٍۢ ۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ ﴿5﴾ العنكبوت)
هذه الآية فيها تطمين للمؤمنين وفيها تأنيس لهم وفيها حثٌ على أن يتعلقوا برجاء الله ولقاء الله ووعد الله عز وجل. ([34])    من كان من الناس يرجو لقاء الله- تعالى- يوم القيامة لقاء يسره ويرضيه، ويطمعه في ثوابه وعطائه، فليثبت على إيمانه، وليواظب على العمل الصالح  ([35])  
 (وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي السميع لدعائكم واضطراركم وهذا يفيد ويؤكد لنا أدباً مشروعاً للمسلم إذا ابتُلي (ما هو) ؟ وهو أن يُكثر من الدعاء وأن يُلحّ على الله عز وجل وأن يتضرع بين يديه ليجد أجل الله القريب الآتي وذلك أمرٌ ظاهر فإن النبي صلى الله عليه وسلم هذا حاله حينما يضطر في أمره كما فعل عليه الصلاة والسلام في بدر كان رافعاً يديه حتى سقط رداءه يدعو ربه ويستغيثه ولهذا قال الله (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَٱسْتَجَابَ لَكُمْ (9) الأنفال)
(وَمَن جَـٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَـٰهِدُ لِنَفْسِهِۦٓ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَغَنِىٌّ عَنِ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿6﴾
والجهاد: مبالغة في الجهد إذا جد في عمله وتكلف فيه تعبا،([36])  وجاهد: مفاعلة، كأن الشيء الذي تريده صعب، يحتاج إلى جهد منك ومحاولة، وأول ميادين الجهاد النفس البشرية؛ لأن الله خلق فيها غرائز ولكن بين كيف يوجه هذه الغرائز ,فالمجاهدة تشمل ميادين عديدة، مجاهدة الغرائز والعواطف، ومجاهدة مشقة المنهج في افعل ولا تفعل، ومجاهدة شياطين الإنس والجن، ومجاهدة خصوم الإسلام الذين يريدون أنْ يُطفئوا نور الله.
ومن المجاهدة مجاهدة مَنْ سُلِّط عليك من جبار أو نحوه، تجاهده وتصبر على إيذائه، وقد يتعرض الإنسان المستقيم للاستهزاء والسخرية حتى مِمَّن هو على دينه، مثل هذا يحتاج منك إلى صبر على أذاه، ومجاهدة للنفس حتى لا تقع في الفخِّ الذي ينصبه لك. ([37])    
 (وَمَن جَـٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَـٰهِدُ لِنَفْسِهِ) فإن مجاهدتك في صبرك ويقينك راجعة إليك عاقبتها لك والعاقبة للمتقين لهذا قال الله جل وعلا (إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) يعني الله سبحانه وتعالى غني عنا أو عن ديننا أو عن تمسكنا وعن صبرنا كل ذلك راجعٌ إلينا في الدنيا بمعية الله وتوفيقه وفي الآخرة في وعده وجزائه العظيم في الجنة ([38])    

قال تعالى (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّـَٔاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ ٱلَّذِى كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿7﴾
ما مناسبة هذه الآية؟ هذه الآية فيها وعد للمؤمنين المفتونين الصابرين المجاهدين بأن سيكفر سيئاتهم ويجزيهم على صبرهم أحسن الجزاء يعني تطمين لهم بأن ما تلاقونه من البلاء والمحنة لكم فيه عند الله جزاءين مع نصر بإذنه تعالى ووعده وهما تكفير السيئات فيكفِّر الله عنهم سيئاتهم ويُطهّرهم (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) في مقابل صبرهم ويقينهم وتمسّكهم قوبلوا بجزاء أحسن الجزاء . ([39])
وهنا تتجلى العظمة الإلهية، حيث بدأ بتكفير السيئات وقدَّمها على إعطاء الحسنات.لأن التخلية قبل التحلية، والقاعدة تقول: إن دَرْءَ المفسدة مُقدَّم على جَلْب المصلحة . ([40])
الوقفة الثانية : الفتنة بالقرابة
قال الله عز وجل (وَوَصَّيْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ بِوَ‌ٰلِدَيْهِ حُسْنا ۖ وَإِن جَـٰهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِى مَا لَيْسَ لَكَ بِهِۦ عِلْمٌۭ فَلَا تُطِعْهُمَآ ۚ إِلَىَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ﴿8﴾
 ما علاقة هذه الآية بقضية الفتنة في الدين وأمر المؤمنين في مكة خاصة قرب الهجرة وما يلاقونه من بلاء ومحنة وفتنة من المشركين؟
 ذكر الله عز وجل هنا حالة خاصة من حالات الافتتان في الدنيا وهو أن يلاقي الإنسان أن يفتن في دينه بسبب والديه فيكون والداه سبباً في فتنته وبلائه وأذيته بسبب دينه
ومن أصعب الامتحانات التي يمر بها المؤمن المجاهد موقف والديه منه ومن أصعب الأمور أن يتصرف التصرف المناسب في مثل هذا الموطن ألزم الله المؤمن هنا بشيئين الإحسان وعدم الطاعة في المعصية وهما أمران لا يستطيعهما معا إلا الموفق . ([41])
 فذكر الله تعالى بأنه في حالة كون الوالدين هما اللذان يجاهدانك في ترك الدين ويفتنانك عن الدين , فما الواجب عليك تجاه ذلك؟
قال الله (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) أي الواجب أن تصبر وأن تحسن إليهما بالطاعة والمعروف فيما لا معصية لله تعالى فيه , ليس هناك حالة أبداً من الحالات يؤمّر الإنسان به بعقوق الوالدين مطلقاً. , وهذه الآية قيل أنها نازلة في سعد بن أبي وقاص أو نازلة في عيّاش بن أبي ربيعة. سعد بن أبي وقاص حينما أسلم حلفت أمه أن لا تستظل بظل سقف ولا تأكل ولا تشرب حتى يرجع عن دينه فجاء الأمر كما يقال بين نارين إما أن تموت أمه وإما يبقى على دينه فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فـأمره بالصبر وأمره بالإحسان إليها والرفق بها ومجادلتها أو محاورتها بالتي هي أحسن فما كان منها حينما رأت إصراره إلا أن تركته وكفاه الله تعالى أمرها. فهذه الآية هي خطابٌ لكل من يواجه مثل ذلك من والديه . ([42])
 قال الله تعالى (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) ولم يقل إحساناً كما في سورة الأحقاف؟ فما الفرق بينهما؟
الإحسان : فعل ما هو حسن مقصود بعناية
والحسن : هو الجميل ولو لم يكن بفعل مقصود مع عناية
فالإحسان أقوى وأبلغ من الحسن وهذا يناسب الوالدين المؤمنين ,,, ([43])  
قال الله عز وجل (وَٱلَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِى ٱلصَّـٰلِحِينَ ﴿9﴾ العنكبوت)
ومن لطيف مناسبة هذا الظرف في هذا المقام أن المؤمن لما أمر بعصيان والديه إذا أمراه بالشرك كان ذلك مما يثير بينه وبين أبويه جفاء وتفرقة فجعل الله جزاء عن وحشة تلك التفرقة أنسا بجعله في عداد الصالحين يأنس بهم.([44])كأن الله يؤنسه أنه سيدخله مع الصالحين إيناساً له بعد أن حصل له من الوحشة لفراق أبويه أو أهله بسبب دينه . وخص بالذكر منها نسب الوالدين لأنه أقرب نسب فيكون ما هو دونه أولى بالحكم الذي يشرع له.
الوقفة الثالثة : موقف ضعاف الإيمان من الفتن
قال الله تعالى (وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَا أُوذِىَ فِى ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ وَلَئِن جَاءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ  أَوَلَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِى صُدُورِ ٱلْعَـٰلَمِينَ ﴿10﴾ العنكبوت) لما ذكر تعالى أنه لا بد أن يمتحن من ادَّعى الإيمان، ليظهر الصادق من الكاذب، بيَّن تعالى أن من الناس فريقا لا صبر لهم على المحن، ولا ثبات لهم على بعض الزلازل . ([45]) ( فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) يعني عذابه في الدنيا لم يصبر عليه يقول هذا أشد العذاب وجعله كأنه عذاب الآخرة في شدته فلم يصبر عليه! وهذا واضح في بعض الناس الذي لا يصبر يقول من يصبر على هذا؟! من يطيق هذا؟! والأمر أهون مما يتصور لكن لعدم صبره ويقينه يتصور أن هذا البلاء لا يصبر عليه أحد بل بقوة الإيمان يهون العذاب وبضعف الإيمان يعظم العذاب في نفسه . ([46])
الوقفة الرابعة : الفتنة بالإغراء والإغواء
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿١٢﴾ وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿١٣﴾
هذه الآية في سياق الحديث عن مجاهدة المشركين للمؤمنين أول أمرهم كانوا يريدون أن يصدونهم عن الدين ويصرفونهم عنه، ثم لما عجزوا عن ذلك أتوا بأساليب أخرى وهذا حال الكافرين أو حال الإنسان الذي يصدّ عن سبيل الله كخطوات الشيطان، يحاول قدر الاستطاعة بما يستطيع فإن لم يستطع انتقل إلى مرحلة أخرى .
ويظهر أن هذا من أساليب رؤساء الكفار وطغاتهم وساساتهم الذين يريدون أن يصرفون رعاع الناس وعامة الناس أو ضعفاء الناس الذين قد بدأوا في التأثّر بالدين وخافوا عليهم أو منهم من أسلم من النساء والشباب أو نحو ذلك فأحاطوهم بهذه الحُجّة.(46)
قال الله تعالى (وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) ليحملنّ أي هؤلاء الكافرين أثقالهم )
جاء التعبير عن الخطايا بالأثقال فهي في الدنيا خطايا تُكتب عليهم وهي في الآخرة أثقالاً يحملون همها وشقاءها وعَنَتَها وعذابها في النار، قد لا تكون أثقالاً حقيقية على ظهورهم لكنها أثقالاً في ميزان سيئاتهم وأثقالاً عليهم في العذاب في النار عياذاً بالله! وتصوروا كيف يكون شأن الإنسان وهو يحمل هذا الهمّ العظيم وهذه الأثقال من السيئات المضاعفة؟! ولذلك قال (وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ) مع أنهم عجزوا عن حمل سيئاتهم وأنها أثقال عليهم إلا أنها تضاعف عليهم أثقالاً مع أثقالهم. ما هذه الأثقال التي ضُوعفت عليهم؟ هي أثقال من أضلوهم عن سبيل الله ودعوهم إلى الكفر أو أثقال الذين صدّوهم عن الإسلام فليست فقط هي أثقال من صدّوهم بل هي أثقال من دعوهم إلى الكفر وصدّوهم عن سبيل الله عز وجل. ([47])
الوقفة الخامسة صبر الأنبياء حال الفتن :
قصة نوح عليه السلام
قال الله عز وجل (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ)
هذه الآية ما مناسبتها في سياق الحديث عن فتنة المؤمنين وصبرهم على أذية الكافرين؟
هو ضرب المثل للمؤمنين حينما تريد أن تواسي إنساناً ستذكِّره بمن هو أشدُّ منه بلاءً، فيكون ذلك تخفيفاً عليه. فالله تعالى من رعايته وعنايته بالمؤمنين الذين يواجهون البلاء من الكافرين والنبي صلى الله عليه وسلم على رأسهم وذلك مما يلاقيه من شدة في التكذيب تكذيب قومه وعنادهم وكبريائهم يذكّره الله ويذكّر المؤمنين بنوح عليه السلام الذي أرسله الله إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاماً، من يتصور أن يصبر على أذى أناس وكفرهم وعنادهم واستخفافهم ألف سنة، من يستطيع؟ أنت لو جلست يوم واحد مع أناس يستخفون بك ويستهزئون بك ويسخرون ويعاندون ربما لن تصبر يوماً واحداً فكيف بألف سنة؟ إن ذلك لمن العزم، ولهذا قال الله (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) ومنهم نوح عليه السلام، ما أعظم هذا الصبر الذي يذكّرنا الله تعالى به في حال أنبيائه والله إنه لمن أعظم ما يؤنس المؤمن في أي بلاء يصيبه وفي أي فتنة يواجهها فيصبر وإن طال به الزمن.
قال الله (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا) ماالفرق بين سنة وعام ولماذا اختلف التعبير؟
هذا والله أعلم يشير إلى أن السنة في الغالب في عادة لفظ القرآن أنها في الجدب والشِدّة فكأنه واجه منهم هذه السنين كلها شداد وبلاء، لم يجد منهم ولا فترة من فتراته فيها شيء من الاستجابة يعني أنهم بقوا طيلة رسالته كفاراً حتى دعا الله عليهم بأن يستأصلهم، ( وهذا يدل على عظم صبر نوح عليه السلام وتوكله على الله والثقة به). ([48])
 والمقصود من القصة تسلية الرسول وتثبيته , فناسب اختيار السنة لزمان الدعوة  الذي قاسى عليه السلام.
 لم تذكر مدة دعوة نوح عليه السلام إلا في هذه السورة ما السر في ذلك ؟
شدة ما لاقاه نوح عليه السلام وصبره على قومه ولأن العبرة هي التذكير بمدة لبث نوح عليه السلام تأييداً للمؤمنين وتأكيداً على صبرهم ويقينهم.
بيان العاقبة ..
قال الله تعالى (فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) هذه العاقبة التي يذكّر الله تعالى فيها المؤمنين بأن الله منجيكم كما أنجا نوح من قومه وبلائهم بعد ألف سنة إلا خمسين عاماً فكأن الله تعالى يقول إصبروا وإن طال بكم الزمن فإن الله منجيكم كما أنجا الله نوحاً عليه السلام بعد ألف سنة ) . ([49])
قصة ابراهيم عليه السلام
قال الله سبحانه وتعالى (وَإِبْرَاهِيمَ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ما مناسبة ذكر إبراهيم عليه السلام بعد نوح عليه السلام؟ ما الجامع بينهما؟ بالعزم، وأيضاً ما لاقى من قومه، وهو أبو الأنبياء، وبجامع أيضاً النجاة، بجامع النجاة في قوله عز وجل (فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ).
 فتأملوا أن الله سبحانه وتعالى ذكر موقفين من مواقف النجاة العجيبة التي هي من عجائب الله عز وجل ومعجزاته وآياته الباهرة في قدرته على نجاة المؤمنين، النجاة الأولى في نجاة نوح بالسفينة وهي معجزة له ولغيره من العالمين كما قال الله (آيَةً لِلْعَالَمِينَ)، ونجاة إبراهيم عليه السلام من النار التي ليس من الطبيعة أن ينجو منها أحد.
 فكان هذا أعظم عبرة للمؤمنين في أن الله سبحانه وتعالى سينجيهم بأي سبيل، وأنهم لا يسدون على أنفسهم منافذ النصر والنجاة مهما تمكّن الكافرون، ونحن نرى سطوة الكافرين ونحن نرى دولتهم وملكهم لهم الحكم ولهم الدولة ولهم السلطة وعندهم السلطان والسلاح فكيف ينتصر المؤمنون المستضعفون وهم جُرَّد من السلاح؟! نقول أمر الله تعالى كائن وقادر سبحانه وتعالى أن ينجيهم بأيسر سبيل ولو أن الله عز وجل أرسل آية من آياته على أولئك الظالمين لقصم ظهورهم وكسر شوكتهم. فيجب أن يستيقظ في نفوسنا ونفوس المؤمنين أن الله قادر سبحانه وتعالى على إنجاء المؤمنين بأيسر سبيل وبأعظم قدرة يريدها وبأقرب سبيل يريده سبحانه وتعالى. ([50])
"وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم "
 تنقطع جميع أواصر المحبة التي كانت بين الناس في الآخرة وتبقى المحبة في الله كما قال الله تعال " الأخلاء يومئذ بعضهم لبض عدو إلا المتقين "فاستثنى الله المتقين ،فيكونون تحت ظلال عرشه يوم لا ظل إلا ظله وآخرون" وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بعد إذ جاءني}
 بيان العاقبة ...
(فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ) هذا موضع العبرة هنا في الآية. (فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ) كأن في هذا درس للمؤمنين الذين يواجهون أعداء الله والفتنة في دينهم أو يواجهون البلاء في دعوتهم من الدعاة  أن الله سيمكِّن لهم وسيُنجيهم من بلاء قومهم.
 (فَأَنْجَاهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فهي عبرة للمؤمنين. لماذا هي آيات ولم يقل آية؟ ما هي الآيات التي حصلت بإنجاء الله عز وجل إبراهيم من النار؟
أن الله جعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم هذه آية، بيان قدرة الله عز وجل، وبيان إكرام الله لإبراهيم، وإبطال شأن الكافرين الذين حاجّوه وهو عبرة للمكذبين، وبيان العاقبة للمتقين وكل ذلك آيات من آيات الله عز وجل في نجاة إبراهيم عليه السلام، فيه بيان أيضاً أن المخلوقات كلها مسخّرة بأمر الله فالذي سخّر النار جعلها برداً وسلاماً قادرٌ على أن يسخِّر لعباده المؤمنين كل أمرٍ ينجيهم به أو يؤيّدهم به.
قال الله سبحانه وتعالى (لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ولم يقل لآيات للمؤمنين، ما الفرق بينها؟ (لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي الذين تمكن فيهم الإيمان حتى صاروا قوم الإيمان كأنهم أصبحوا قوم الإيمان انتسبوا إلى الإيمان انتساباً تمكّناً مثل ما يقال قوم كذا أو أصحاب كذا يعني انتساباً إليه فهم قد أصبحوا قوم الإيمان أو أصحاب الإيمان برسوخ الإيمان في قلوبهم بهذه الآيات التي شاهدوها وعلموا بها. ([51])
قصة لوط عليه السلام
(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) هذه أول هجرة في الدين، أول هجرة لأجل الدين ولذلك قال الله تعالى (مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي) ومنه نأخذ أن الإنسان إذا لم يجد في بلده مكاناً وسبيلاً إلى إقامة أمر الله وعبادته فالأولى له أن يهاجر.
(وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ).
فيها عبرةٌ للمستضعفين أن الله عزّ وجل سينجيهم كما أنجى لوط عليه السلام يوم أن الله عزّ وجل أهلك قومه, فهذا هو موضع العِبرة في هذه القصة, كما أن الله أنجى نوحاً ثم أنجى إبراهيم كذلك أشار هنا في السورة إلى نجاة لوط, ففيها عبرة للمستضعفين الذين فُتنوا في دينهم وأوذوا بأن الله سينجيهم كما أنجى لوطاً عليه السلام. ([52])
ولم يأت في قصة لوط عليه السلام أنه دعا قومه إلى عبادة الله تعالى كما جاء في قصة إبراهيم وكذا في قصة شعيب الآتية لأن لوطا كان من قوم إبراهيم وفي زمانه وقد سبقه إلى الدعاء لعبادة الله تعالى وتوحيده واشتهر أمره عند الخلق فذكر لوط عليه السلام ما اختص به من المنع من الفاحشة وغيرها، وأما إبراهيم وشعيب عليهما السلام فجاءا بعد انقراض من كان يعبد الله عز وجل ويدعو إليه سبحانه فلذلك دعا كل منهما قومه إلى عبادته تعالى . ([53])
كلمة النجاة تكررت في القصص الثلاث  ما الحكمة في ذلك ؟
ليؤكِّد أنها هي الغرض في ورود القصص الثلاث وهي أن الله يعد المؤمنين ويطمئنهم بنصره ونجاته. ([54])
ذكر عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان
ثم تأتي قصة شعيب فيها نموذج لما يدعوا إليه الرسل ,و فيها عبرة وعِظَة للمؤمنين وفيها تخويفٌ للكافرين المكذّبين.
ثم تأتي بعد ذلك القصص الأخرى سردًا إجمالًا قصة عاد وثمود وقارون وفرعون وهامان , هي في جانب الكافرين يعني تهديدًا للكافرين وتوعدًا لهم وتذكيرًا بحال أولئك الأمم السابقة التي سبقتهم من المكذبين، قال الله (وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مِّن مَّسَاكِنِهِمْ) وقال الله تعالى (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ) وتثبيتا للمؤمنين واطمئنانا لهم .
(فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ  فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا) ذكر الله عز وجل عاقبتهم وهو أن الله تعالى أخذ كل قومٍ بذنوبهم ما الغرض من ذلك ؟
الغرض من ذلك تهديد المشركين وأنّ عذاب الله ليس واحداً وإنما هو متنوع وأخذُه سبحانه وتعالى حيث يشاء,.
قال الله تعالى (وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ ۖ وَلَقَدْ جَاءَهُم مُّوسَىٰ بِالْبَيِّنَاتِ) ذكر الله تعالى هؤلاء الثلاثة ولم يذكر قوم موسى يعني ذكر الله تعالى أسماء كبارهم وصناديدهم وكُفّارهم ولم يذكرهم باسم القوم كما قال الله (وعادًا وثمود) فما السرّ في ذكر هؤلاء الصناديد الكبار المستكبرين؟
أمرين: الأمر الأول أنهم تزعّموا قومهم واستخفّوا بهم وطغوا بأنفسهم على قومهم, هذا الأمر الأول. الثاني أن فيه تعريض وتهديد لصناديد قريش, أُنظروا إلى هؤلاء الصناديد الذين كانوا في قومهم زعماء رؤساء كبار كيف كان حالهم؟! فهو تهديد مباشر لزعماء قريش كأبي جهل وأبي لهب وغيرهم من أنّ الله عزّ وجل سيأخذهم كما أخذ هؤلاء, فتخصيصهم مقصود لذلك, تهديدًا لزعما قريش وكِبارهم. ([55])
الوقفة السادسة :
مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ (43)
ما مناسبة هذه الآية التي سميت السورة بها (العنكبوت)؟
لما بينت لهم الأشباه والأمثال من الأمم التي اتخذت الأصنام من دون الله فما أغنت عنهم أصنامهم لما جاءهم عذاب الله أعقب ذلك بضرب المثل لحال جميع أولئك وحال مشركي قريش في اتخاذهم ما يحسبونه دافعا عنهم وهو أضعف من أن يدفع عن نفسه، بحال العنكبوت تتخذ لنفسها بيتا تحسب أنها تعتصم به من المعتدي عليها فإذا هو لا يصمد ولا يثبت لأضعف تحريك فيسقط ويتمزق . ([56])
ما الغرض الذي سيقت من أجله هذه الآية ؟
هو بيان حقيقة دعوتهم غير الله عز وجل وأنها ليست بشيء وأن هذه الأصنام التي يعبدونها لا تملك شيئًا من النفع والضر فهي عبادة هاوية خاوية ضعيفة لا مستمسك لها, كما أن بيت العنكبوت ضعيف لا مستمسك له. ([57])  فالمقصود من المثل تجهيل المشركين وتقريعهم، حيث عبدوا من دون الله- تعالى- آلهة، هي في ضعفها ووهنها تشبه بيت العنكبوت، وأنهم لو كانوا من ذوى العلم لما عبدوا تلك الآلهة. ([58])
والغرض من المثل هو بيان حقيقة بيت الشرك وأنه واهي وأنه لن ينفع أهله وأنه بيت يشبه بيت العنكبوت من عدة وجوه, هذه الآية ذكر بعض العلماء أن فيها إعجازاً في تشبيه بيت العنكبوت ببيت الشِرك من عدة وجوه,
الوجه الأول من ضعف التعلّق , وتعلّق هؤلاء الكافرين بآلهتهم كتعلّق العنكبوت بشباكها في بيتها, ليست بشيء ولا تحملها ولن تحميها من هبوب الرياح وآثارِها أو غير ذلك وأن هذا التعلّق لن ينفعهم شيئًا.
وأمر ثاني في شبه بيت العنكبوت ببيت الشرك يعني هو بيت العنكبوت يُقال أنه يأكل بعضه بعضًا ويدمِّر بعضه بعضًا, فهم في حقيقتهم بسبب هذا الشرك وهذه العبادات على أخلاق سيئة يأكل بعضهم بعضًا في العدوان والتجاوز والظلم وغير ذلك, فهو بيتٌ مشتمل على أخلاق سيئة واهية, وأيضًا في تشتّت أهلها وتفرّقهم فهذا بيت العنكبوت لم يُبن على أساس صحيح وإنما هو مجرّد من لُعاب العنكبوت نفسها تبنيه بنفسها وهو ليس بشيء وإنما تتمسك به بلا معتمد, فهؤلاء في تفرّقهم وتشتّتهم لا بقاء لهم وغير ذلك.([59])
وقال ابن القيم رحمه الله في هذا المثل  : وهو من أحسن الأمثال وأدلها على بطلان الشرك، وعلى خسران صاحبه وحصوله على مقصوده. ([60])
(وعلاقة المثل بموضوع السورة أن الإنسان حال الفتن لا يلجأ إلى القوى الضعيفة وواهنة كالتجاء العنكبوت ببيت العنكبوت التي لا تملك شيئا بل يلجأ إلى الله وحده القوي العزيز المتين )
 وكما تتشابك وتتعدد خيوط العنكبوت كذلك الفتن في هذه الحياة متعددة ومتشابكة لكن إذا استعان العبد بالله فإن هذه الفتن تصبح كلها واهية كبيت العنكبوت تماما. والله أعلم ...
قال الله (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ )
 وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه. ([61])
 فوصف الذي يعقل هذه الأمثال من العلماء الذي يعلم فهذا فيه فائدة عظيمة مهمة وهي:
 أن من فقِه كتاب الله عز وجل ودلّه ذلك على الحق والحقيقة فآمن وامتثل أنه بذلك يستحقّ وصف العالِم بآيات الله, كما قال الله تعالى (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) أي علِموا ما فيها من الهدى فأخذوه واتّبعوه , وما جاء في الحديث عن جابر أن النبي e قال «العالم الذي عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه» ,فالعلم ليس هو مجرّد كلمات تُقال ومسائل تُذكَر وإنما العلم الحقيقي هو الذي يُورِث عملًا وهدايةً واقتداءً. فالله تعالى هنا يبيّن أن هذه الأمثال التي يذكرها الله في القرآن لها حقائق وأنها تحتاج إلى تأمُّل وتدبر وتعقّل, الأمثال في القرآن عظيمة وفيها من الحقائق والدلائل والمعاني ما يستبصر به المسلم المؤمن ويهتدي . ([62])
قال  ابن كثير رحمه الله  روى الإمام احمد ... عن ابن عمرو بن العاص قال: عقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل ,, وهذه منقبة عظيمة لعمرو ابن لعاص .وقال  ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا ابن سنان، عن عمرو بن مرة قال: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني، لأني سمعت الله تعالى يقول: {وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون} . ([63])
(خَلَقَ اللَّـهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ)
التفكّر في خلق الله عزّ وجل يُرسِّخ الإيمان والتوحيد واليقين فيزيدك بالله معرفة وتعظيماً ويقيناً بوحدانيته وخلقه وقدرته سبحانه وتعالى ويزيدك أيضًا معرفة ببطلان الشِرك ومعتقداته وأنها ليست بشيء إذ أن الله تعالى هو الخالق وحده سبحانه وتعالى. ([64]) وهذا المثل المضروب يبين أن أحدا لا يحمي الكافرين من الله وبالتالي فإنهم لا يفوتونه .
 
وفي هذه الآية تعليل لسبب الامتحان وتعليل لعذاب الكافرين فالله عزوجل لم يخلق السموات والأرض عبثا . ([65])
الوقفة السابعة :
اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)
في هذه الآية أمر الله تعالى رسوله والمؤمنين بتلاوة القرآن وهو قراءته وإبلاغه للناس للاستزادة من المعرفة الدالة على وجود الله ووحدانيته وقدرته وحكمته . ([66])
وفي هذه الآية بيان لثلاثة أمور وهي زاد الطريق في المحنة والابتلاء وهي تلاوة القران والصلاة وذكر الله ,,
فبعد أن بين الله عزوجل انه لا بد من فتنة وامتحان ليتميز الصادق من الكاذب جاء هذا الأمر بتلاوة القران والصلاة والذكر وكأنه يدلنا على الزاد في المحنة .
تلاوة القران وإقامة الصلاة والمحافظة عليها نعم المعين وذكر الله الدائم فانه نعم الأنيس, وكل من دخل في نوع من أنواع المحن عرف أهمية هذه الثلاثة في تجاوز المحنة فنرى من الناس من يخرج من المحنة أقوى واصلب عودا لأخذهم هذا الزاد , ومن الناس من يتحطم ويكفر لقلة الزاد فهذه الثلاث زاد للمسلم في المحنة .
وهنا يجب علينا أن نعود أنفسنا من لحظة الابتداء على تلاوة القران والصلاة والذكر فلا يمر يوم بدون تلاوة قران ولا يمر يوم بدون إلا وقد اخذ القلب حظه من التلاوة فرائضها ونوافلها ولا يمر يوم إلا وقد أقام المسلم في أوراده المأثورة من استغفار و صلاة على الرسول وتهليل . ([67])
(إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) لماذا الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر؟ ما سر هذا الأمر في الصلاة خاصة؟
ووجه كون الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، أن العبد المقيم لها، المتمم لأركانها وشروطها وخشوعها، يستنير قلبه، ويتطهر فؤاده، ويزداد إيمانه، وتقوى رغبته في الخير، وتقل أو تعدم رغبته في الشر، فبالضرورة، مداومتها والمحافظة عليها على هذا الوجه، تنهى عن الفحشاء والمنكر، فهذا من أعظم مقاصدها وثمراتها. وثَمَّ في الصلاة مقصود أعظم من هذا وأكبر، وهو ما اشتملت عليه من ذكر الله، بالقلب واللسان والبدن. فإن الله تعالى،إنما خلق الخلق  لعبادته، وأفضل عبادة تقع منهم الصلاة، وفيها من عبوديات الجوارح كلها، ما ليس في غيرها. ([68])
الوقفة الثامنة :
يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58)
وهنا جاء الحديث عن الهجرة وهي في نفسها نوع امتحان  إذ اضطر إليها المؤمنون .قال ابن كثير رحمه الله : هذا أمر من الله لعباده المؤمنين بالهجرة من البلد الذي لا يقدرون فيه على إقامة الدين، إلى أرض الله الواسعة، حيث يمكن إقامة الدين، بأن يوحدوا الله ويعبدوه كما أمرهم.
قال الله تعالى (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) مناسبة الآية في سياق الحديث عن الفتنة .. لما أمر الله تعالى المؤمنين بالمهاجرة صعب عليهم ترك الأوطان ومفارقة الإخوان، فقال لهم إن ما تكرهون لا بد من وقوعه فإن كل نفس ذائقة الموت والموت مفرق الأحباب فلأولى أن يكون ذلك في سبيل الله فيجازيكم عليه،فإن إلى الله مرجعكم([69])
الوقفة التاسعة :
الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (59)
هذه الآية وردت في كتاب الله مرتين (الموضع الأول سورة النحل والموضع الثاني هنا في هذه السورة ) وكلها في سياق الحديث عن الهجرة , ما دلالة ذلك ؟
بعد أن تحدثت السورة عن الهجرة وشجعت عليها ذكرت الصبر والتوكل وهما زاد المهاجر فالهجرة تحتاج إلى صبر وتحتاج إلى توكل (ونص على التوكل، وإن كان داخلا في الصبر، لأنه يحتاج إليه في كل فعل وترك مأمور به، ولا يتم إلا به). ([70])
ولما كان أهم ما يفكر فيه المهاجر هو الرزق  فقد جاء الكلام عن الرزق في هذا السياق "وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ "(60) لا تحمل رزقها أي لا تتحمَّل، وتتكَلَّف في رزْقها، فاللهُ يَرزُقُها من غيرِ تَكَلُّف، ولا تَحمُّلْ، لا تَحْمِلُ همَّهْ، فاللهُ يرزُقُها وإيَّاكُم، "لو أنَّكُم تتوكَّلُون على الله حَقَّ توكله لَرَزَقَكُم كما يَرْزُقُ الطَّيْر" فالله سبحانه وتعالى هُنا يُطمْئِنُهُم بأنَّ رزقهُم مضمُونٌ لهُم، فليُقِيمُوا أمْر الله ولْيَصْبِروا عليه.([71])
وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (61) اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (62)
هذه الآية تقيم الحجة على الكافرين الذين يضطهدون المسلمين حتى يضطروهم إلى الهجرة وهي كذلك درس للمسلمين في قضية الرزق والتوكل على الله , فالله هو الذي خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر لا يعجزه أن يرزقكم أيها المهاجرون في سبيل الله فتوكلوا عليه وجاء بعدها الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر فإذا كان موضوع البسط القبض بيد الله فعليه فليتوكل عباده وليطيعوا أمره  . ([72])
الوقفة العاشرة :
وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (64)
هذه الآية تلفت النظر إلى حقيقة الحياة الدنيا بالنسبة للآخرة . فالآيات بينت أن الرزق بيد الله وان الدنيا  كلها لا تساوي الآخرة شيئا فلا تكون الدنيا أو الرزق عاملا من عوامل الفتنة .
ما الفَرْق بين اللَّهْو واللَّعب؟
اللَّهْو هُو كُلّ ما يُشغِلْ عن طاعةِ الله من الأموال والأولاد وغير ذلك كل ما يشغ عن طاعة الله فهُو لهو يَلْتهي به عن ذِكْر الله وطاعته .
واللَّعِبْ هُو ما غَرَضُهُ الــمُتْعَة والتَّرَفْ وغير ذلك، غير اللهو, اللهو يدخل فيه الأموال والأولاد الذين يُشغلون لكن اللعب هو ما قصده التَّرَفُهْ والتمتع بالألعاب ونحوها. فهي لَعِب يلعبون بها من حيث أنهم يظُنُّون أنَّها هي مُتْعَتُهُم.
ما سر التَّعبير بالحيوان دون الحياة ؟ أي الحياة الحقيقيَّة الكاملة التِّي يَضْمَنُ فيها الإنْسان عَيْشاً هَنيئاً وبقاءً خَالِداً، فَفِي التَّعبير هُنا تأكيدٌ لكَمَالِ هذه الحياة. الحياة الدُّنيا حياة لكنَّها ليْست حياةً كاملة، فلمَّا أراد هُنا أن يُبيِّن أنَّ الحياة الآخرة هي الحياةُ الكاملة عبَّر عنها (بالحيوان) أي التِّي فيها الحياةُ الكاملة التِّي يتوَفَّر فيها النَّعيم الدَّائِمْ والخُلُودْ الباقي. ([73])
فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
المؤمنون يعرفون الله وقت الشدة والرخاء فيعملون للآخرة وأما المشركون فلا يعملون إلا في وقت الشدة حيث يلجؤون إلى الله إذا خافوا الغرق فإذا نجاهم يعودون إلى ضلالهم ويجحدون نعم الله . ([74])
الوقفة الأخيرة :
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)
هذه الآية تتحدث عن الفتن أيضا وكأن فيها إشارة إلى أن الفتن مستمرة في حياة الناس فعلى الإنسان أن يستمر في المجاهدة ولا يتوانى ولا يتكاسل . وفي هذه الآية تسلية للمؤمنين أن من جاهد بالطاعة هداه سبل الخير .
قال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية : {وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} بالعون والنصر والهداية. دل هذا، على أن أحرى الناس بموافقة الصواب أهل الجهاد، وعلى أن من أحسن فيما أمر به أعانه الله ويسر له أسباب الهداية، وعلى أن من جد واجتهد في طلب العلم الشرعي، فإنه يحصل له من الهداية والمعونة على تحصيل مطلوبه أمور إلهية، خارجة عن مدرك اجتهاده، وتيسر له أمر العلم، فإن طلب العلم الشرعي من الجهاد في سبيل الله، بل هو أحد نَوْعَي الجهاد، الذي لا يقوم به إلا خواص الخلق، وهو الجهاد بالقول واللسان، للكفار والمنافقين، والجهاد على تعليم أمور الدين، وعلى رد نزاع المخالفين للحق، ولو كانوا من المسلمين.([75])
وهذه قاعدة في الحياة اِجْعلْها نَصْبَ عيْنِكْ في حياتِك كُلِّها إذا جَاهَدْت في أيّ أَمْر في سبيل العلم، أو في سبيل التِّجارة الصَّالحة، أو في سبيل تربية أبنائك، أوْ في سبيل مُجاهدة نفسِكَ في تَرْكِ معاصي الله والــمُحرَّمات، أوْ في سبيل الدَّعوة إلى الله عزَّ وجَل، ولا بد أن يتحقق هنا شَرْطان ,ما هُما ؟ الأمر الأوَّل : فهو الــمُجَاهدة (جَاهِدْ) والــمُجاهدة تعني الــمُصَابرة، وبَذْل الجُهْد كُلِّه من أجْل الثَّبات على ذلك، والصَّبر عليه. الأمر الثَّاني: أنْ يكونَ هذا الجِهاد في الله عزّ َوجل ولله، لإقامَة دينه، أو الصَّبْر على دينه.فإذا تَحقَّق هذان الشرطان فإنَّ الله أكَّدَ لكْ يقيناً قال (لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا).
ومن فهم هذه الآية في محلها وسياقها وعرف معناها وعمل بمقتضاها و أَخَذَها أَخَذَ بِحَظٍّ وافِرْ حصل خيرا كثيرا وَوَجَدَ فتْحاً،وتَوْفيقاً من الله لا يُـمْكن أن يُصَدِّقه، ولا يُمْكِنْ أن يتوقَّعه، الــمُهِمّ أن يُجاهِد، ويَصْبِرْ ولو سِنين كما صَبَر نُوحٌ عليه السَّلام ألْفَ سَنة إلا خمسينَ عاماً، المهم أنْ لا تَمـَلّ،  الــمُهِمّ أنْ لا تَنْثَني، لا تتراجَع، اِصْبِر، واثْبُتْ، ودَاوِم على ما أنْتَ عليه من الخَيْر ولا تقولْ: بَذَلْتُ كُلَّ شَيْء وما بَقِيَ شيءْ عندي فإنَّ ذلك يَأْس .﴿ولا تيئَسُوا من رَوْحِ الله إنَّه لا ييئِسُ من رَوْحِ الله إلاَّ القَوْمُ الكافرون (87) ([76])
مالسر في التعبير ب (سُبُلَنَا) ولَمْ يَقُلْ (سَبيلنا)؟ لأنَّ المقصود هنا أيّ طرق الخير في أيّ طريق في التَّربية، أو في الدَّعوة، أو في العَمَل، أوْ في التِّجارة فسُبُل الخير هنا مُتعَدِّدة، ليس المقصود بها سبيل الدِّين فقط لكونه واحد كما قال الله تعالى ﴿ وأنَّ هذا صراطي مُستقيماً فاتَّبِعُوه ولا تتَّبِعُوا السُّبُل (153) الأنعام﴾ بل المقصُود بها طُرُق الخير في سبيل الله، في دين الله تعالى.
وهذه الآية يكفي أنَّها واردة في شَأنِ الهجرة وأنَّ الله سيفْتَحُ فيها للصَّحابة والنَّبي صلى الله عليه وسلَّم فتْحاً عظيماً وقد فتَح لهُم حتَّى مكَّنَ لهُم دولةً أَقامُوها. فإنْ كُنْتَ تُريدُ أن يكُونَ لكَ أَمْر، وتمكين، وفتْحٌ فَجَاهِد في الله حَقَّ جهادِه، وصابِر في أَمْر الدِّين، وأمر العِلْم والدَّعوة.فإنَّكَ سَتَنالُ خَيْراً عظيماً. ([77])
وقال النسفي: وعن ابن عباس جاهدوا في طاعاتنا لنهدينهم سبل ثوابنا , وعن الداراني والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا فقد قيل ( من عمل بما علم وفق لما لم يعلم ) وقيل إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم إنما هو لتقصيرنا فيما نعلم , وعن فضيل : والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به . .([78])
**       **         **
الوصية :
وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)

هذا والله أعلم ... إن صوابا فمن الله وحده وإن خطأ فمن نفسي والشيطان وأستغفر الله وأتوب إليه ,, وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ....
*ميمونة حافظ*
معهد تدبر



([1]) معارج التفكر ودقائق التدبر
([2])   أهداف كل سورة بتصرف
([3])  التفسير الموضوعي
([4])    أسرار ترتيب سور القران للسيوطي
([5])التفسير المنير للزحيلي
([6])  مراصد المطالع في تناسب المقاطع والمطالع
([7])     معارج التفكر ودقائق التدبر
([8])في ظلال القرآن
([9])  مصاعد النظر  في تناسب المقاطع والمطالع
([10]التفسير الموضوعي
([11])  مصاعد النظر في  تناسب المقاطع والمطالع
([12])  أهداف كل سورة
([13])  المختصر في التفسير
([14]) في ظلال القران
([15]) معارج التفكر ودقائق التدبر
([16]) الاساس في التفسير
([17])  الاساس  في التفسير
([18])في ظلال القرآن (5/ 2719)
([19])التفسير الوسيط لطنطاوي
([20])  تفسير الشعراوي
([21])  تفسير الشعراوي
([22]) معارج التفكر ودقائق التدبر
([23]) دورة الأترجة القرآنية , د. محمد الربيعة
([24])الأساس في التفسير
([25])أضواء البيان
([26]) دورة الأترجة
([27])تفسير البغوي
([28])دورة  الأترجة  القرآنية
([29])تفسير الشعراوي
([30])  تفسير الوسيط  للطنطاوي
([31]) الأساس في التفسير
([32])  دورة الاترجة القرآنية
([33]) التحرير والتنوير
([34]) دورة الأترجة القرآنية
([35]) تفسير  الوسيط للطنطاوي
([36])التحرير والتنوير
([37])  تفسير الشعراوي
([38])  دورة الأترجة القرآنية
([39]) دورة  الاترجة  القرآنية
([40])  تفسير الشعراوي
([41])  الاساس في التقسير
([42])  دورة الاترجة القرآنية
([43])  معارج التفكر  ودقائق التدبر
([44])التحرير والتنوير
([45]) تفسير السعدي
([46])  دوة الأترجة القرآنية
([47])  دورة الأترجة القرآنية
([48]) دورة الأترجة القرآنية 
([49])  دورة الأترجة القرانية
([50])دورة الأترجة القرانية
([51])  دورة الأترجة القرآنية
([52])  دورة الاترجة  القرآنية
([53]تفسير الألوسي
([54]) دوة الاترجة  القرآنية
([55]) دورة الاترجة القرآنية
([56]) التحرير والتنوير
([57]) دورة الأترجة القرآنية
([58]) التفسير الوسيط
([59])  تفسير السعدي
([60]) التفسير القيم
([61])  تفسير ابن كثير
([62])  دورة الاترجة القرانية ( بتصرف يسير )
([63]) تفسير ابن كثير
([64])  دورة الاترجة القرآنية
([65])  الاساس في التفسير
([66]) التفسير المنير
([67])  الاساس في التفسير
([68])  تفسير السعدي
([69])  تفسير الرازي  
([70])  تفسير السعددي  , دورة الأترجة القرآنية
([71]) دورة الأترجة القرآنية
([72])  الاساس في التفسير
([73])  دورة الأترجة القرآنية
([74]) التفسير الموضوعي
([75]) تفسير السعدي
[76] دورة الأترجة القرآنية
([77]) دورة الأترجة القرآنية ( بتصرف يسير )
([78])  الاساس في التفسير 

هناك تعليقان (2):

رأيك يهمنا